image

أُحِبُك .. لأنني حين أفَكِّر بك تطرأ على رأسي النجوم والغابات و الموج والنسيم ، وتطل الشمس من جهة ، ويطل القمر من أُخرى ، و تَحُط على كتفي يمامَتين وديعتَين ، و يجري في الوادي نهر و ينبُت في الصخر زهرة ، ويتشكَّل الغيم على هيئة قلوب ساذجة تُحِبَّك كُلها في عفويَّة ..

image

لا أتعَمَّد الإهمال ، ورغم ذلك أنا مُهمِلة جداً ، وأشعر بالأشياء تحزن مني ، تهز رؤوسها في أسَف بعدما أمشي ، مثل الألعاب في فيلم “toy story” .. تراقبني حانقة حين أجلس لا أفعل شيئاً وتحاول أن تنفث الغبار عليّ فأسعل ، أو تتقاذف وتصطدم بي من الخلف وتدفعني على وجهي ..

أنوي دائماً أنني سأُنظِف وسأرتب .. سأجعل الحياة لامعة وشفافة كأنَّها وُجِدَت للتَوّ .. ولكن لا يتم هذا في الغالب ..

تحدث أحيانا تلك الصُّدفة الكونية التي أتحمَّس فيها وأرفع صَوتِي مُغَنيّة مثل “سنو وايت” وهي تنظِف منزِل الأقزام : ” لو غنيت وانت شغّال .. هتلاقي البيت ببساطة اتنضّف جداً وصَبَح عالّ .. نكنس ونقول يا ليل .. نمسَح ونقول يا عين .. يا سلام يا سلام خلصنا قوام للمَغنى سحر جميل” .. أقسم بعدها أنني سأحافظ على هذا المجهود .. ولن أكون مهملة من جديد .. ولكن هذا لا يستمر ساعتين على أحسن الأحوال .. أريد أن أتغيَّر وأن أغدو منظمة و منتظمة .. ولكن هل ذلك شيء قابل للتعلُّم ؟ .. لا أظُن.

image

في الرُّكنِ القصيّ من الأحلام .. في البُعد الذي لا نستطيع أن نصِل .. ليس ثمة قصر يعلو جَبلاً وتنحدر منه الدروب والزهور ..وإنما كوخ ضئيل على حواف الغابة وصنبور ماء مُنعِش .. ليس ثمة طائرة خلّابة تُحلِق ..وإنما دراجة هوائية تقفز للأمام وهي ترتطم بحجر صغير في الدرب الوعرة ..

ليس ذاك الفُستان الذي يضيء في الظلام كأنه لأميرة حكايا الجِن .. وإنما قميص أخضر فضفاض يصل إلى منتصف الساق لفتاة ريفية تضحك .. ليس طوقاً ذهبياً في عنُقِها يلمع.. وإنما عُقداً من الصدَف المتكسِر والبذور الجافة حين تلتفت فجأة يُخربِش ..

ليس شَعراً مُصففاً ومُثبتاً بمشابك ملونة .. وإنما شعر غجري منفَلِت يبعث الريح ليطير ..  ليس وجبة شهية و الحِلو شيكولاتة .. وإنما طبق بطيخ بارد وثمرة جوز هند مسكّرة ..

و في العليل .. يتردد صدَى لحصان يصهل وقطة تموء .. وغراب ينعق .. بلا أناس تتكلم .. بلا أناس تتكلم .. في الرُكن القصيّ من الأحلام .. في البُعد الذي لا نستطيع أن نصِل..

image

أشعر بالوقت ، أشعر بالدق في الساعة وفي قلبي و على مفاتيح البيانو.

أشعر بالنَفَس البطيء وهو يتزامن مع كل الأشياء التي تتحرك على مَهَل ، أشعر بجفنيٌ المثقلين ، وبالفُرَص التي لا تضيع ولا تُنتهَز ، وإنما تُحَلِق فوق رأسي كفراشة آمنة ما دُمت لا أتربَّص لاصطيادها.

أشعر بالأيام المتشابهة كـ يوم واحد مطوّل مكوَّن من نهاراتٍ وليالٍ عدة ، يوم واحد مُمِل.

أشعر باللاشيء الذي يحدث فأضجَر ، أشعر بالهَرَج إن حَدَثَ ولا أرتَبِك.

أشعر .. أشعر بصَبرِ الله عليّ.

image

لم أمسح كُحل البارحة .. رضيت بالسواد تحت عيني ونزلت إلى الشارع .. رضيت أن أكون شريرة كالأمس .. وأنا أتخيل العالم يحاول أن يمسح دمعي فيلطخني بالسواد أكثر .. فأغضب .. وأقذف حذائي في الهواء و أدْعي لأن يسقط في وجه كل المتجبرين و المتكبرين والزائفين والأغبياء وعديمي الإحساس .. بالأمس كنت أرى جثث حلب المعفرة بالغبار الأبيض والدم وأتمنى لو أشق صدري طولياً بالسكين كما تشق السيدة صدر الدجاجة .. أن يغدو صدري واسعاً ومُحرَّرَاً .. أن يُفتح على مصراعيه و يلمس الهواء رئتي مباشرة .. ولكن لم أجد إلى ذلك سبيل ..
في الطريق شاهدت صبي يقذف مصباح زجاجي بحجر .. فيسقط ويتهشّم .. ويرتجف جرو صغير .. في تلك اللحظة ودَدتُ أن أذهب إلى الجرو وأضمه إليّ .. أضع رأسي على رأسه ونئِن معاً .. نئن ونُصدِّق أن الكون ينفعل لأنيننا .. فتحمّر عين الشمس  .. ويتساقط علينا الغيم .. تصرصر الريح في عُتُوٍ .. و يفور الماء فيجرف السواد من الأرض .. ومن عيني ..

image

إنها تلك الأشياء التي كنّا نفعلها بشغف .. بتحدي لكل من ينطق في وجهنا “لا” .. ثم صار لزاماً علينا أن نفعلها .. فلم نعد نريد ..

في الحادية عشر من عمري تلقيت “علقة” من أمي لأنني ذات خميس ذهبت إلى المكتبة المجاورة للمدرسة ورأيت كتاباً كنت سأموت عليه .. وقفت جامدة أمامه ولم يكن معي من المال ما يكفي لشراءه .. راقبني صاحب المكتبة طويلاً ثم قال : خذيه .. أخبرته أنني لا أملك مالاً .. فرد أنه يمكنني أن أحضر المال في أي وقت .. وعلى قدر سعادتي لأن الكتاب صار بحوزتي على قدر خوفي من أمي إن اكتشفت ما فعلت .. يوم الجمعة بالطبع أجازة .. والسبت كذلك .. ولم أجد حِجة أغادر بها المنزل .. وخفت من أن يظن الرجل أنني هربت بالكتاب .. كنت سأذهب إليه نهار الأحد .. ولكن أختي سبقتني إلى المكتبة لتشتري شيئا ما .. عَرِفَها صاحب المكتبة على الفور من الشبه الكبير بيننا .. وأخبرها بالدين الكبير ..سدّدت أختى عني وبالطبع أخبرت هي الأخرى أمي عن الجريمة .. وتلقيت تلك “العلقة” ..

الآن أنا أملك في مكتبتي الكثير من الكتب التي كنت سأموت عليها أيضاً ..ولا شيء يمنعني عنها سوى غياب هذا الشغف .. لم أفقده تماماً .. لكنه يروح ويجيء .. وهذا لا ينطبق على الكتب فقط وإنما على كل الأشياء التي أُحب و أريد و ما أطمح لأن أكون ولأن أفعل ..

أدّعي أحياناً أنها مرحلة وستمر .. ومن جديد سيحتلني الحماس وأنجز كل الأشياء المعطلة .. الأشياء التي أحبها في الأساس ولست مجبورة عليها .. ولكن هذا الإنتظار هو أسوأ من الغياب ذاته ..

أفكر كثيراً بأن أفلت كل هذا من يدي .. أن أتقبل بصدر متسع أنني تغيرت .. ورؤيتي لأهمية الأشياء تتغير .. كلنا كذلك .. وهذا سهل ..
ليس ممكناً أبداً أن أعيش البقية من عمري مطبقة أصابعي على أشياء لم تعد تُهِم .. هذا مُرهِق .. ومُحبِط .. سيكون من الأهنأ أن أدع كل مرحلة من عمري ترقد سالمة .. وأحاول أن أستمتع بالحالي .. وبالجديد .. أفكر أن لدي فرصتان للسعادة .. إما أن أحقق الأحلام فوراً .. أعني في التو واللحظة .. وإما أن أفلتها وأقبض على الواقع وأستنفذه من أقصاه إلى أقصاه ..

اليومان الماضيان شاهدتُ فيلم “Up” أكثر من مرة .. وأدركتُ أنني “إيلي” .. الفتاة التي عاشت وهي تحلم بالذهاب إلى شلال الفردوس .. لم يمنعها شيء في الواقع .. لكنها أجلت تحقيق الحلم مرة بعد مرة .. حتى تراكم عليه الغبار والأعوام والتجاعيد والوَهَن .. رقدت بعدها في سلام .. لكن الحلم لم يرقد معها .. وأصرّ حبيبها على تحقيقه .. كان الوقت سيمضي ولم يكن سيفعل هو الآخر ولكن أصدرت المحكمة حُكماً بتركه للبيت والذهاب إلى دار المُسنين .. حينها قرر في ليلة أن يطير بالبيت إلى الشلال .. وفَعَلَها .. أنا بحاجة أيضاً لأن تجبرني محكمة ما على طرقعة مفاصلي والطيران إلى شلال الفردوس خاصتي .. أعرف أن التوهج الذي يعترينا في صغرنا يخبو مع الوقت .. مثله مثل كل شيء .. لكنه لا ينطفىء أبداً ولا يفنى .. مثله مثل كل شيء مرة أخرى .. كل رياح تمر عليه تزكيه وتذكره بما كان .. يروح ويجيء .. يضرم فينا حرائق مرة .. ويلسعنا لسعات صغيرة مرة .. ويمر .. دوماً يمر .. وإما أن نجتازه ذات ليلة بشجاعة .. أو سيتجاوز هو رمادنا ببساطة و دون إكتراث ويتلبّس شخصاً أشجع .. إنه عفريت لا يفنى ..

image

فيما مضى .. كان لديّ صديقة .. تحبني جداً حدّ أنها ترسمني حين تريد أن تتدرب على الرسم .. وحين تفتقدني .. وحين تشعر بي قريبة .. ثمّ أتت أشياء وتّرَت من علاقتنا .. ثم عدنا .. ثم افترقنا .. ثم عدنا .. ثم لم نعد ..

كان لديّ صديقة أخرى .. كانت أهم من كل شيء .. عشنا معاً عمراً .. كياناً واحداً لا يتجزأ .. ثم لم نكن ..

وثمة فتاة ظريفة .. خفيفة الدم .. وقوية .. أحببتها بلا أسباب .. لم أكن في حُسبانها كصديقة .. لكنها جلسَت مرة على حَجَر في الشارع وبكَت حين أخبرتها بالسكاكين النافذة في قلبي .. تلك السكاكين التي لم يكن ممكناً نزعها لأنها رغم كل الألم كانت تسد الجروح .. وتمنع النزف .. هي أول صديقة وآخر صديقة تدمع لأجلي .. ومن أجل ذلك كنت على إستعداد أن أغفر لها أي شيء .. كنت مستعدة أن أغمض عيني وأمضي معها إلى آخر الأرض .. ثم لم نمضِ ..

وثمة صديقات .. لم أُفَضِل واحدة على واحدة .. كانوا كلهن المفضلات .. كانوا المجموعة والجمع .. ثم لم نجتمع ..

وتوجد واحدة .. واحدة فقط .. حين أكون في عرض البحر بوميضها أهتدي .. هي الفنار والمرسى .. ولكن نصيبي منها نصيب السفن من الموانىء .. لا يمكن لها أبداً أن تبقى ..

أمّا عن تلك التي سجّلت اسمها أول اسم في قائمة هاتفي .. حتى إذا ما اتصل الهاتف بالخطأ بأحد تكون هي فأحدِّثها .. اكتشفت أنها نسيَت أن تسجلني من الأساس ..

في النهاية .. و بعد هذا كله أنا أعرف أنه لم تخذلني واحدة .. ربما خذلت أنا البعض .. لا أعرف .. ولا أريد أن أعرف شيئاً لم يعد ليفيد .. مؤخراً أخبرت صديقة – قديمة وجديدة في آن – أنني لا أزعل من أحد .. لم تصدقني لكنني أقسمت أنها الحقيقة .. ربما عدم يقيني بأحقيتي في أي شيء وإن كان حتى علاقة صداقة هو السبب .. أو جَلدي لذاتي مرة بعد مرة هو السبب .. ذاك السوط الذي أتفاداه بكل ما أوتيت من قدرة على المراوغة .. أو ذاك الغضب الذي أحاول أن أخمده بزفير فيستعر أكثر .. أو تلك اللامبالاة التي تتلبسني من حينٍ إلى آخر قائلة : لا أحد يستحقك .. لا تستحقي أحد .. وتأخذني الجلالة فأضيف : كل الوعود فارغة .. إياكِ أن تعدِ أحد !
.
.
.

.
.
في القلب المطلي بالغراء .. لا شيء يحدث !

.

.

12405637-md

تقف في مكانك .. بعد أن صرت تعرف بشكل قاطع أن هذا ليس طريقك .. ولا هذا .. ولا ذاك .. المعرفة عموما لا تمنحك الحلول التي تريدها .. ليس في كل الأحيان على الأقل .. أحيانا يكون حذف كل الإجابات هو الحل الوحيد المتاح الآن .. ولا شيء يمكنك فعله حيال الوقت الذي يهدر .. الذي ينهمر .. الذي يلح على رأسك في هيئة صورة سينمائية لشمس تشرق و تغرب سريعا سريعا ..و تواريخ كثيرة تمر .. مثل عداد البنزين وأنت تملأ به سيارتك .. بالكاد يمكنك لمح اﻷعداد .. بينما في قلبك الدم ساكن تماما .. ساكن بشكل مريب .. ساكن بحذر .. بتأهب .. يتهيأ لصفارة قوية تجعله يندفع بحماس .. أو لإحباط عادي تجعله يستعيد إجابة محذوفة ويمضي بلا إهتمام !

.

.

صورة

ثمة فرق صغير بين الحزن والغضب .. فقط أنه في الحزن ليس هناك أحد يمكنك أن تصرخ في وجهه لترتاح قليلا .. إما لأنه لا ذنب لأحد ..أو لأن المذنب ليس بإمكانك أن تفعل هذا به ..

ولهذا الغضب لا يزعجني .. فهو يمتلك دائما مبرراته حتى ولو كانت غير منطقية ويمكنه أن يمر بسهولة دون أن يترك علامة أو ندبة .. لأنك مع الصراخ تكون قد ألقيت بالفعل كل السكاكين الحادة من قلبك.. ولم يتبقى سوى دماء مُنفعلة ازداد احمرارها قليلا ..

أما مع الحزن فلا يوجد أي من هذا .. هو فقط شعور يوحدك ويقصيك عن كل ما حولك .. يلقيك في زنزانة محكمة دون منفذ للضوء أو للهواء ويطلب منك ببساطة أن تتنفس حتى ينتهي الهواء وتموت .. !

.

.

.

.

عندما أريد أن أهاتفك لأقول فقط أني “أحبك” ويكون هاتفك غير متاح أو مشغول أو لا يجيب .. أشعر أن اﻷرض تتوقف عن الدوران .. والرياح تكف عن السفر .. والأنهار تعصى على الجريان.. والعصافير لا تقوى على التحليق .. واﻷطفال ترفض الضحك .. والنحل يفقد حماسته .. و الدم ينحشر في قلبي.. حتى تجيب وأقولها .. فيعود كل شيء ليمضي من جديد !

.

.

image

26-10-2009

ثلاث فصول من مطر تمر على أول يوم رأيتك فيه .. قبلهم كنت أتشقق من جفاف يملأني ويكاد يحولني إلى كائن من تراب .. حتى تلك اللحظة التي رأيتك فيها وهطل المطر .. كانت المرة اﻷولى التي تمطر فيها ذاك العام .. وكنت أنا أشعر أنها المرة اﻷولى التي تمطر فيها هذا العمر .. وتظن أنني أغرمت بك من النظرة اﻷولى كما أخبرك دائما .. لا تعرف أنني لم أكن مغرمة فحسب وإنما كنت مشتاقة أيضا.. لا تعرف أنك كنت الماء الذي فاض على التراب فصارت هناك عاشقة تغرق .. بينما أنت في قلبها تزرع الورد !

لحظتها كنت مهيأة تماما ﻷن أخبرك أنني أحبك وأذوب بك .. ولكن هل كان هذا سيبدو جنونيا جدا لو كنت فعلت؟ .. أن تقابل شخصا للمرة اﻷولى في حياتك ومن اللحظة اﻷولى تخبره أنك تذوب به .. لم أخبرك.. ولكنني تأكدت حينها أنك من اﻵن ستكون في عمري كل العمر .. وأن هذا العمر سيكون كله فصول من مطر .. وفصول من حب ! ♥
.
.

.

حين غادرت شعرت بلسعات صغيرة في قلبي .. كأنك تُمسك شمعة وتمرر طرف لهيبها عليه .. وكان هذا حقيقيا جدا حد أنه انتابتني رغبة هائلة في النفخ على اللسعات لتبرد !

.

.

تعرف؟ أنا أخبرك دائما أنني أحب أن أشكو إليك .. رغم أنني أكره الشكوى .. ولم أفعلها مع أحد قبلك .. أخبرك عن وجع أسناني .. عن وجع رأسي .. الصداع الذي يصيبني بعد النوم .. لسعات المطبخ التافهة .. الكدمات الصغيرة في ساقي ﻷنني أتخبط كثيرا .. أخبرك أنت فقط بكل هذا ﻷنني أحب ردودك علي .. أحب حنانك .. فزعك من دبوس يشك إصبعي .. أرتاح بعدها .. ولا أعني وجع إصبعي أو أسناني هو الذي يتلاشى .. وإنما الوجع في قلبي الذي لم أخبرك عنه .. ليس ﻷنني لا أريد .. وإنما كما أخبرتك من قبل .. لا أعرف طريقة لفعل هذا !

17-10-2010

.

.

.
.

عقب إنقضاء الحزن يكون أصغر شيء قادر على إشعالنا بالفرح !

.
.

.
.

الوحدة مع الانتظار هما الفتك اﻷكثر ضراوة .. وبإضافة الحزن إليهما يكتمل الهلاك!

.
.

لا أريد أن أرعبك .. ولكنه كان بلا رأس .. كان يرتدي ملابس رياضية ولكن بشراشيب .. وكان مكان رأسه كأس مفلطح عريض من الصفيح .. ظلّ يرقص بجوار سريري ويقوم بحركات مستفزة و يغيظني .. كتمت أنفاسي وأنا أشعر بالنمل يجري في عروقي .. كأنني كنت مشلولة بالكامل وأستعيد حركتي شيئا فشيئا .. أنت بالتأكيد تدرك هذا الشعور التافه جيدا .. حين تضغط على أحد أطرافك فيصيبه التنميل حتى تفقد احساسك به .. ثم تعود تدريجيا مع وخز النمل هذا .. كان الضغط على جسدي كله .. حتى رأسي .. وفجأة شعرت بالدم يندفع كالطوفان في شراييني .. كالماء في اﻷرض العطشى .. أحسست باندفاعه اللذيذ ولم يضايقني سوى وخز النمل في محجري عيني وأنا أنظر لهذا الشيء .. في اﻷول فكرته أحد أخوتي يريد أن يفزعني ولكنني وعيت حماقتي حين نظرت لكأس الصفيح مرة أخرى .. تأكدت في هذه اللحظة فقط بأنني أنظر إلى شيطان .. حاولت أن أتذكر أي من اﻷدعية .. ولكن حتى “بسم الله الرحمن الرحيم ” لم تأت ببالي .. كنت أحتاج شخصا يذكرني بأول حرف فقط .. لكنني خفت أن أنادي على أحد .. خفت أن يظنني خائفة .. كان إحساس التنميل يختفي شيئا فشيئا وكنت لحظة عن لحظة أعي ما يحدث أكثر .. أغمضت عيني وأنا أقول لنفسي هذا كله ليس حقيقي .. سأعرف بعد لحظات أنني كنت أحلم وسينتهي اﻷمر .. وسأتذكر هذا الدعاء الذي ينتهي بكلمة ” رجيم”  ولكنني أعجز عن تذكر غيرها .. ولكن اﻷمر لم ينتهي ولم أستيقظ من أي حلم .. وكانت هذه أول مرة  .!

.

.

 

 

 

أنا لا أكتب ﻷنني صرت لا أريد أن افصح عن أي شيء  .. فحين أهُم أحيانا بالكتابة عن سعاداتي الصغيرة فأنا أتراجع ﻷنني لا أريد أن أتحدث عنها أمام من هم أقل مني سعادة كما تنص الوصية .. وأنا أعرف محزونين كثر … وحين أهُم بأن أتحدث عن أحزاني الطفيفة فأنا أتراجع أيضا ﻷنني لا أريد لعواطفي السلبية أن تسقط عمدا في قلب شخص يقرأني بسلامة نية ولم يكن مهيئا لذلك ..كان عليّ أن أخرس إذن .. أو أن أتخيل قصة قصيرة عن دودة ساذجة تعيش في الطين دون سعادات أو تعاسات قبل أن يعثر عليها صبي شقي و يغرسها في خطاف سنارة كطعم للأسماك الصغيرة .. كان علي أن أكون هذه الدودة قبل أن أحاول أن اكتب شيئا لا قيمة له لكنه يخبر الكون أنني بخير ولم تبتلعني اﻷسماك المسكينة بعد .. ولكن هل يهتم الكون من اﻷساس  .. أن أكون في بطن اﻷرض أو في بطن السمكة .. هل ثمة فرق .. و هل كان من الحماقة أن أفكر أن سعادتي أو حزني قد تهم قارئ ما .. وهل يجدر بي إذن أن اكون كمحررة لنشرة أخبار تكتب دون أن تخفي شيئا !

.

.

: )

.صورة

.

.

حبك رياح خفيفة تهب على قلبي و روحي فتجعلهما يرفرفان كأعلام منتصرة ❤

.

.

 

 

 

ليتني خمس دقائق إضافية أزيدها على نومك قبل أن يرن المنبه ويبدأ في إزعاجك ..أو ماء صافي تمرره على وجهك وشعرك وأطرافك حين تذهب لتتوضأ.. أو سجادة صلاة تلامس جبهتك مرتين في كل ركعة .. أو غيمة لطيفة  ترافقك من بابك حتى مكان عملك فتحجب عنك حرارة الشمس ولهيبها  .. أو ابتسامات مشرقة ترتسم على كل الوجوه التي تقابلك فتسعد لك صباحك .. أو هاتفك الخلوي الذي يلازمك دوما ويسمع صوتك وكلامك و ضحكك مع كل مكالمة ..

ليتني مديرك فأعطيك أجازات أكثر و ساعات دوام أقل ومرتب أعلى .. ليتني كتاب تحبه وتجلس لتتسلى به حتى آذان المغرب .. أو كأس عصير بارد يروي ظمأك لحظة يضرب مدفع الإفطار .. أو وليمة شهية تتناولها بجوع ونهم فتنهي بها صيام نهار طويل وشاق .. أو فنجان قهوة مضبوط عقب اﻷكل مباشرة معه شيشة عنب بفحم متقد حتى آخرها .. أو فرحة تنتابك بعد صلاة التراويح أو بعد الانتهاء من قراءة جزء قرآن جديد ..

ليتني كل القنوات الإخبارية التي تحبها وتجعلك غير معزول عن العالم .. ليتني حلم جميل يراودك في منامك ويجعلك لا تريد أن تستيقظ منه أبدا لآتيك مرة أخرى في شكل خمس دقائق نوم إضافية قبل أن يرن المنبه ويزعجك .. ليتني أي شيء قريب منك ويسعدك حين أكون أنا بعيدة ولا أتمكن من ذلك.

.

.

🙂

 

 

 

من أجل كل هذه الكوابيس البشعة .. يبدو أن روحي تذهب إلى قاع الجحيم كل ليلة !

أقرأ باقي الموضوع »

(1)

على خريطة العالم رسمت قلبك وطن .. بلا حدود .. ولا صراعات !

.

.

(2)

قبل أن أحبك كانت حياتي معقودة بحبل في ذيل الشمس .. وتتبعها بروتين صارم .. حتى جئت أنت و عقدتها في نهاية الريح .. فصرت حرة ومنطلقة إلى اﻷبد !

.

.

 

(3)

وأنا أغلق الباب خلفك في كل مرة تغادر .. أشعر بقلبي ينحشر بين الداخل والخارج !

.
 .

(4)

أنت الرجل الساحر الذي من كم قميصه تنبعث زهور و ضحكات ملونة .. و من قبعته يطير الحمام !

.
.

(5)

معك .. لا شتاء يُجمدني .. ولا خريف يُذبلني .. ولا صيف يخنقني ..

معك .. أنا زهرة كل أعوامها فصول من حب !

.
.

(6)

أفكر في دق قلبي بالمسامير جيدا كي لا ينخلع معك في كل مرة تغادر ..!

.

.

(7)

. أنت تغيب .. وقلبي ينكمش كقطعة أسفنج تنز الماء و الغربة !

.

.

صورة

.

أنت ضوء و رحيق وألوان .. وأنا فراشة جُنّت بالكامل !ـ

.

.

 

وحيدة جدا من دونك .. لا أريد أن أرى أحد أو أرافق أحد لأنني أولا: لا أريد ..وثانيا:لشعوري بأنني لست رفقة جيدة أو مبهجة..  حتى أنه من الممكن أن أصيب من أرافقه بكآبة مماثلة ! .. أنا كأس فارغ وهذا العالم كله قطرة مياة واحدة لا يمكنها أبدا أن ترويني .. وحدك أنت شلال ينهمر ويغمرني ..!

هل يبدو أنني أحمّلك المسئولية ؟ ..أنا لا أفعل .. ولا أجرؤ أن أفعل ..ولكنك ليس بإمكانك مطلقا أن تتخيل ما تفعله بي يوما بعد يوم .. أنت تأتي لتغمرني في سعادة هائلة .. كأنني قطعة قطايف بلا طعم وأنت تغمرها بالسكر تماما .. السكر الذي يشبه حضنك بالضبط حين أوشك أنا على الذوبان به .. تمنحني الأمان الذي أجربه لأول مرة معك .. الحب الذي لم أتصور وجوده أبدا بهذا الزخم ولا هذه الكثافة .. المرح والبهجة اللذان يقفزان من حضورك إلى قلبي وروحي وكل الأشياء حولك .. فتغدو السجادة بساط سحري .. والأريكة أرجوحة معلقة بين جذعي نخل ويرفرف عليها أوراق الشجر المتطايرة من ورق الحائط .. بينما من السماعات تنطلق أغاني بشكل حروف موسيقية مرحة .. بإختصار أنت تبعث الحياة فيّ  كلي ولكن دون أن تنتبه تأخذها معك حين تغادر .. كأنك تطوي روحي في حقيبة سفرك وتترك جسدي هنا خاوي تماما كالطبل ..كأنني معك .. ولست هنا .. ولكنك لست معي بدورك .. ولا انا هناك !

لهذا توقفت أمس وأنا أقرأ الرواية أمام عبارة :”إنها سعادة غامرة إلى حد يبعث الخوف !” .. أنا خائفة ولا أريد أن أتوغل أكثر في هذا .. أريد أن أعتاد وجودك ثم غيابك ثم وجودك ثم غيابك ثم وجودك  … وهكذا  …. أريد أن سبح بنغم في هذا الموج … أن أتوقف في غيابك ارتداء ملابسك ووضع عطرك والمكوث في مكانك .. أن أغادر بيتنا وأعود دون أن أشعر أنني كنت أختنق بالخارج !

تعرف؟ .. أنا لا يناسبني أن أكون سمكة أيها البحر .. يغريني أكثر أن أكون كائن برمائي مُلقى على شواطئك بإمكانه أن يتنفس بسهولة في المد والجزر .. بدلا من سمكة على الرمال يقتلها الإشتياق إلى مائك !

.

.

🙂

.

أشعر أننا الآن بأيدينا نخلق جنّتنا معا .. فنزرع هذه الشجرة هنا .. ونضع هذا الكرسي هناك .. أما المكتبة فستتكىء على هذا الجدار .. بينما من هذا السقف ستتدلى ورود بشكل نجفة .. من تلك البلكونة سيهب هوانا .. ومن ذاك الشباك سيغمرنا ضوء .. الضوء الذي سيتلألأ بشدة حين ينعكس على الأحجار الذهبية المصفوفة كورق حائط ..

في هذا الجانب نضع بلورة سحرية هائلة تشبه التلفزيون و تأتي إلينا بالعالم كله .. و على هذه الطاولة أقترح وضع زهرية نملأها بالورود كل صباح بينما تفضل أنت استبدالها بتمثال العاشقين المتعانقين الذي أهديته لي ذات مساء .. أما الأرضية فلازلنا محتارين في كيفية زرعها بالعشب وإن كان يخطر برأسي تغطيتها بالسجاد ذو الخيوط الطويلة النابتة والتي ستبدو بالفعل كشعب حقيقي يمكننا تلوينه كما نحب ونهوى ..

نفعل كل هذا وأنا أتوق بشدة لليوم الذي سندخل فيها جنتنا معا في لحظة تشبه الإفتتاح .. وأنا أهمس لك لتردد :”وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ” !

.

.

سعيدة .. سعيدة إلى الحد الذي يجعلني غير قادرة على الاستقرار في مكان واحد فأقف وأروح وأجيء وأدور حول نفسي و أمسك برأسي في النهاية كي لا أسقط من الدوار .. أطرافي باردة للغاية و قلبي يخفق سريعا كقارع طبل مجنون لا يمكنني تهدأته ولو قليلا .. بينما أمام عيني تطفو غيمة من الدمع كأنها الحزن .. وكل هذا لأنني قرأت كتابا كاد بفتك بروحي … جميلا بشكل لا يُحتمل .. كأنه الجمال الأكثر ضراوة على الإطلاق !

.

كتبت هذه التدوينة منذ ثلاث سنوات بالضبط .. في عيد 2008 :

إذا وقفت على بعد أمتار من منزل …ترتفع منه الأغنيات…والصياح والضحك…ولا تميز سوى نهايات الكلمات..فتيقن ..أنك تقف على مرمى خطوات من العيد…وإذا تقدمت قليلا قد تتساءل هل أنا في قلب العيد …أم أن العيد صار في قلبي…وقد تسمع جدران المنزل تتساءل أيضا..هل سكنني الفرح أم  أنا من سكنته؟ عندها فقط ستصيح للزمن كـ “جوتة”  : “قف أيها الزمن ….ما أجملك..!” وإذا سار الزمن ..ستقف أنت في مكانك لحظة..كي تكتب وتقول “لن أنسى..!”

عندما تنتظر شيئا سيأتي في الصباح ..تخلد للنوم مبكرا..ويزورك الأرق فتستيقظ من نومك مائة مرة لتنظر ناحية الشباك مفتشا عن تباشير الصباح …

ليلة العيد وضبت ملابسي …لم أضعها على مشجب ..فردتها أمامي على المكتب..كي أنظر لها بين الحين والآخر ..وأبتسم…..كنت سعيدة بها بعد مساء طويل أنفقته  في التجول في المحلات حتى وجدتها ووجدتني…ولهذا عبست عندما سألت ابن عمي عن رأيه فقال..”جميلة ..تيشيرت كيوت …وبنطلون مناسب جدا للجلوس في البيت!!” لم أحب انتقاده..لهذا قلت عندما سألني عن رأيي في حذاءه الجديد..”جميل .. خطوطه حلوة …لكن ألوانه مش عاجباني ” في سرعة قال..”البنطلون حلو على فكرة!” وفي سرعة أجبت..”وألوان الشوز جميلة!”…

ضبطت منبهي  على الخامسة والنصف كي ألحق بصلاة العيد …واستيقظت في الثالثة دون رغبة في النوم دقيقة أخرى…وجدت أمي لم تنم بعد…وكنت أتوقع هذا…أمي ليلة العيد تسهر كطالب امتحانه النهائي في الصباح ولم يكمل مذاكرة بعد…تعيد ترتيب المنزل المرتب أصلا… تمسح الطاولات اللامعة …وتتفنن في غداء العيد…أراها تستمتع كثيرا والجميع يثني على أكلها…تضع السوداني في الفرن…وتضيف القليل من الملح والليمون للترمس فيصبح أشهى…تفرغ الشيكولاته في الأطباق الزجاجية..وترش السكر المطحون والكاكاو فوق بسكوتها الرائع….تضع حوله الغريبة وبجوارها ..”الطوفي” وتخبىء لي ذات الغلاف الأصفر التي أحبها….راقبتها تفعل كل هذا ..وأنا أتذكر العيد الفائت ..عندما قضيت ليلة كاملة مشغولة بصناعة طبق صغير من الغريبة…وسخر الجميع منى عندما حاولوا قضمها ولم يفلحوا ..كانت صلدة..حتى الشاي لا يليّنها..ولا أدري أين الخطأ؟ الحسنة الوحيدة بها أن رائحتها كانت لا تشبه شيء…أكثر من رائعة…وأضحك كلما تذكرت غادة وهي تنصحني أن أفتتها وأستعملها كبخور.!

ألحّيت على أمي أن تنام قليلا كي تستمتع غدا…بالنهاية تخلت عن عنادها قليلا ونامت…وبقيت وحدي في الشرفة ….لساعة كاملة أستمع للتكبير ..وأنظر للطريق ..للأشجار. .للطيور.. .للبيوت…وذهني صافي تماما…لا أفكر في شيء اطلاقا …تعجبت من نفسي ..بالأمس فقط كان في رأسي ألف موضوع وموضوع ..ألف فكرة وفكرة …غادروني جميعا ..ولم يبق سوى احساس بالراحة وقلب يسع الطريق والأشجار والطيور والبيوت…يسع الكون كله…!

ذهبت لأوقظ اخواتي كي نذهب جميعا للصلاة…اختى الكبرى لم تتمكن من الاستيقاظ لكونها تأخرت في النوم ليلة أمس…ولهذا لم نذهب جميعا.. نهض أبي ..توضأ ..وقبلني وهو نازل للصلاة….كنت سعيدة جدا…كنت الأولي التي أنال قبلة أبي صباح العيد…وكان على اخوتي أن ينتظروا أبي حتى يرجع بعد ساعتين أو أكثر ..كي يبدأ عيدهم …بدلت ملابسي ..وجلست في غرفتي قليلا..خرجت لأتفاجأ بابن عمي يجلس وحده في الشرفة …ظن الجميع نائم ..فجلس بهدوء في الخارج …جلست معه ..ثرثرنا وتبادلنا بعض الأخبار العائلية…مر الوقت ..وجاء أبي ..أحضرت الفطور ..وفطرنا جميعا وصفاء أبوالسعود تغني “أهلا بالعيد” ..ضحكنا جميعا على ابن عمي الآخر الذي يكتشف لأول مرة كلمات هذه الأغنيه…كانت تقول ” سعدنا بيها …بيخليها…” وابن عمي يقول “سعد ..نبيهه….بيخليها”…التفت إليّ  يسأل مين سعد؟ ومين نبيهه؟..ولعنت أنا التعليم المجاني دون أن أرد عليه…!

لم يمر الكثير حتى حضر معظم أبناء عمومتي وبناتهم…وصغار العائلة يلعبون أسفل المنزل بالمسدسات والبنادق…وخطيب أختي يصر على أن يوجعني بخرزة من بندقية أخي حتى أكف عن مشاكسته…تواريت منه خلف الجدار وأحضرت “نبلة” صنعتها من خرطوم صغير واصبع طبي مطاطي..ربطهما معا بأستك…أضع الخرزة بهما وأشد الأصبع فتخرج بقوة تتخبط من جدار لجدار…تشي بقوتها وبالألم الذي يمكن أن تسببه…ويضغط هو على بندقية أخي فتخرج الخرزة ضعيفة لتسقط أسفلها دون أن تطير سنتيمترات قليلة ..يرتعب…وأصيح أنا وأنا أطلق الخرزة…لعبنا كثيرا…وتسلينا أكثر عندما جلسنا بعد العصر ..كل فرد يسأل سؤال..وكل سؤال يدور علينا جميعا..فتحنا قلوبنا…وانطلقت منها الأمنيات…. غنينا ورقصنا على أغنيات حماقي الجديدة …نزلت أنا وابن عمي واشترينا كعكة لعيد ميلاد خطيب أختى كي تكتمل المفاجأة التي أعدتها أختي له في نهاية الليلة…

قبل المغرب بقليل هدأ الجو قليلا حتى جاءت بقية القبيلة في آخر الليل كي تبدأ السهرة…برّد الطقس قليلا  … دخلت غرفتي وارتديت جاكيت ثقيلا ثم خرجت وجلست على أحد كراسي الصالة لأرسل بعض المسجات,,ولفرط انهاكي غفوت والهاتف في يدي …لم أعي شيء بعدها حتى جاء ابن عمي وصاح في يوقظني …يصورني الصور المضحكة وأنا نائمة و يضحك عليّ الجميع…لم أستطع النهوض بعدها ..كنت قد سقطت في غيبوبة ولم أعي شيء حتى صباح اليوم…استيقظت أنظر للجدران الصامتة وأنا أردد بأسى”العيد خلص”…ورغم هذا كان اليقين داخلى يكبر أن أجمل أيامي لم تأت بعد..!

*********

 6-11-2011

الآن أنا أكتب أيضا وتكبيرات العيد تأتيني من كل صوب وجهة … أفكر في الجملة الأخيرة التي كتبتها منذ ثلاث سنوات بالضبط .. في يقيني وقتها بأن أجمل أيامي لم يأتِ بعد .. وقت لم أكن قد تعرفت بأحمد بعد .. ولم أكن أعرف أن الزمن قد يهديني إياه .. وأن أيامي كلها ستصير أجمل به.. حد أنني لن أعود لأنتظر عيدا يعبر مسرعا كسيارة غريبة وأنا ألوّح لها بأسى لحظة تمر .. لأنه منذ أن التقيته وصار عمري عيدا يمضي على مهله !

 🙂

صرت في ثوان قليلة أغرق في دموعي .. دون سبب واضح أو وجيه أو مؤثر إلى الحد الذي يجعل الأمر يبدو منطقيا ..  كأني غيمة خذلتها الريح وتركتها لتتهاوى ببطء قطرة ثم قطرة  .. أو دمعة ثم دمعة .. لا فرق … كانت الدمعة الأولى بعد أن كتبت لأحمد في الصباح ” حبك .. قنبلة فرح موقوتة” .. وكان سببها تافها وعاديا ويتكرر بشكل يومي .. ما الذي أبكاني هذه المرة لا أعرف ..!

أما المرة الثانية فكانت حين فكرت أن أمي أول ما ستستيقظ فستبتسم في وجهي ثم تجلس بجواري وتحدثني في أشياء كثيرة عن العيد مثلا .. أو عن أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران وكل هذه النميمة المحببة فأنسى سريعا دمعي وسببه .. لكنها استيقظت بمزاج نكد .. و وبختني دون سبب .. أو هكذا أتصور … ثم انزوت عني .. ودمعت مرة ثانية .. وكانت الثالثة حين حادثني أحمد في التليفون وأردت أن أخبره عن حزني التافه لكنني تراجعت حين فكرت أنه سيكون في الوقت الذي يلقي هو على قلبي قنبلة فرح أكون أنا أكوّر حزن صغير وأضعه في يده .!

صرت لا أعرف كيف يمكنني أن أهرب من دمعي .. وكيف يمكنني أن أواريه فقمت بتحميل فيلم درامي حزين حتى إذا ما لمحنى أحد أدمع فهم على الفور أن الأمر ليس مهما على الإطلاق وأن السبب واضح .. إلا أن السبب كان غير واضحا نهائيا بالنسبة إليّ .. فبماذا سأفسر بكائي وأنا أسمع نبأ غرق العبارة  رغم إنقاذ جميع الركاب .. أو نبأ منح خادم الحرميين فريضة الحج  للأسرى الفلسطينيين اللذين خرجوا للتو .. أو حين قرأت تدوينة علاء عبد الفتاح التي كتبها في في زنزانة 1/6 عنبر 4 .. أو حين شاهدت بث تغيير كسوة الكعبة المشرفة .. أو لمّا تصفحت صور “يمان القادري” .. الفتاة السورية الأسيرة .. أو وأنا أقرأ رواية “العمى” لساراماجو .. في اللحظة التي حملت فيها زوجة الطبيب الماء الكثير لتغسّل جثة المرأة المصابة بالأرق .. !

لا أعرف ماذا يحدث ومالسر في هذا الدمع الذي يلاحقني بإصرار كأنني لص .. أعرف فقط أنني لست حزينة .. ولكن روحي ممتلئة بالبكاء !

.

.

عيد سعيد 🙂

.

ببساطة .. أنا أحبك .. وأنت لا تعذبني !

 ومهما رددوا حولي عن عذابات الحب و أوجاعه ومساءاته الحزينة التي لا تشتهي سوي أقراص النوم و كؤوس النسيان فلن أصدق .. مهما أخبروني عن آلامه المتجددة كموج .. وألاعيبه الملعونة كجهنم .. وطلقاته التي تبحث عن الصدور فقط كي تستقر فلن أصدق …. مهما عددوا لي الجراح الكونية والانفجارات الهائلة والحرائق والانهيارات التي طالما نتجت من تحت رأسه فلن أصدق .. لن أصدق .. لن أصدق … وسأفكر فقط في حبك الذي يأتيني على هيئة بالونة كبيرة إن انفجرت في وجهي فلن تهديني سوى الحلوى والسكاكر والضحك .. كأنك بائع “غزل بنات” متجول .. وأنا الطفلة الوحيدة الموجودة على وجه الأرض ..و التي حولها أنت تجول ..!

سأفكر في الكون البديع الذي يخلقه وجودك .. في ضجر و تعب وضجيج الحياة الذي يتحول كله في غمضة عين إلى بهجة وأفراح وأعياد أول ما ألمحك .. كأنك الساحر الذي يلمس بعصاه قلبي فينفلق جنتين .. واحدة عن يميني .. وواحدة عن يساري وفي المنتصف أنا وأنت نمضي معا  وأعلانا يحلق الغيم والعصافير و اليمام ..!

أما عن غيابك … فلا ثمة شوق يقتلني ولا نوم يجافيني ولا حزن يفتك بي .. لأنك ببساطة .. أبدا لا تغيب !

.

.

.

كنت كنملة صغيرة أضاعت سربها وتركض وحيدة على لوح هائل من الزجاج تُفتش فيه عن جحر أو نقرة ..

.

.

.

.

من يستطيع أن يجزم أن العمى لونه أسود ؟ …. ربما له ألوان معتمة أخرى ! … المؤكد فقط أنها ليست شفافة !

.

.

.

.

الطريق الذي قررت أن أسلكه إلى روما صار مزدحما للغاية … سأبحث عن طريق آخر !

.

.

الآن أفكر … ولماذا عليّ أن أقصد روما بالتحديد؟

.

.

ربما ثمة مدينة أخرى أفضل .. حتى وإن كانت كل طرقها مقطوعة … من المؤكد أن محاولة الوصول إليها ستكون أنبل … وأكثر مدعاة للزهو !

.

.

.

 إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَ الآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 

.

.

“It is your birthday as a writer .. so happy birthday my best best friend”

في الثانية عشر بالضبط جاءتني هذه الرسالة .. شعرت بشعور شخص نسي عيد ميلاده وجاء صديق لا ينساه ليذكره به .. دائما ما كنت أرى هذا المشهد بالسينيما وأتساءل بعدم تصديق: “كيف لأحد أن ينسى عيد ميلاده .. ثم أرددد في امتعاض: “هذا مفتعل للغاية!” ..ورغم هذا كنت أتمنى طويلا أن أنسى عيد ميلادي ويجيء من يذكرني به لأشهق في دهشة :”عيد ميلادي !.. ازاي نسيت !!” .. إلا أن هذا كان من المستحيل أن يحدث .. لأنني أنتظره كل عام بفارغ صبر وأعد الأيام إليه حتى يأتي .. فأكون أنا المدللة لهذا اليوم .. كل طلباتي مجابة .. والجميع يتفنن في إسعادي ورسم ضحكتي بألوان مبهجة في كل مكان .. جاءت هذه الرسالة مباغتة جدا .. في الثانية عشر بالضبط .. وحين شهقت بفرح .. لم أكن أفتعل هذا !

كنت في غرفتي بالطابق الثاني أحاول اعداد كلمة أتمكن من إلقاءها بالحفل في الغد .. أفكر في شيء أستطيع أن أحكيه عن الكتاب لأنني أشعر بالورطة كلما سألني أحد :”هو الكتاب بيتكلم عن ايه؟” .. فأقول فقط أنه ليس موضوعا واحدا .. وإنما مواضيع مختلفة .. وأكتب بين قوسين “نصوص سردية” … ولأنقذ نفسي من هذا المأزق أنشأت صفحة للكتاب على الفيس بوك .. أضع بها مقتطفات منه كي  أضيف إلى ردي :” وده لينك البيج وفيها أجزاء منه” .. وفي الحفل يتوجب عليّ أن أتحدث باستفاضة عن الكتاب .. دون صفحة على الفيس بوك تنقذني .. ودون أن يكفي مطلقا كلمة “نصوص سردية ” فقط !

كتبت وشطبت … وكتبت وشطبت ..ثم مزقت الورقة وخرجت إلى الشرفة وقفت على السور طويلا أجهز ما سأقوله وألقيه على الأشجار والنجوم والسماء والطيور الساكنة على الغصون لتسمعني وحين انتهيت ومض بالسماء شهاب مارق ففرحت جدا وعرفت أن هذا بالمعنى الحرفي إشارة من السماء بأنني سأكون هائلة في الغد !
ولكن الثقة التي تحدثت بها أمام ليل القرية بأكمله لم تتملكني أمام الحضور بالحفل .. فأنا لم أقدم أبدا إذاعة طابور في المدرسة .. ولا شيت راوند في الجامعة ..وكل ما نجحت في إلقاءه كان بعض النصوص من الكتاب ..أولها كان “أنت” .. ومع آخر حرف بالنص .. ارتفع الصفيق عاليا بشكل فجائي جعلني أشعر بارتباك وفرح غامر ..كانت المرة الأولى في حياتي التي يصفق لي شخص ما … فما بالي بكل هذا العدد !

بدأ اليوم حين استيقظت على مطر في الحلم .. كانت السماء غائمة .. ورياح خفيفة تهب على وجوه كل القادمين إلى حفلي الصغير …

استيقظت وأنا أريد أن أردد “رضيت بالله ربا .. وبالإسلام دينا .. وبسيدنا محمد “صلي الله عليه وسلم” نبيا و رسولا ” … كنت قد قرأت مرة أن من يردد هذا الذكر صباحا كان حقا على الله أن يرضيه لآخر اليوم وأنا كنت أتمنى بكل ما في أن يرضيني الله هذا اليوم بالذات .. أن يمر سعيدا ولطيفا ومميزا عن باقي الأيام !
قلت لنفسي سأردده عقب صلاة الصبح .. لكنني نسيت وبدأت في تلاوة سورة الكهف .. تذكرت وأنا أقرأ فقلت لنفسي ثانية سأردده  فور أن أنتهي من التلاوة مباشرة .. لكنني نسيت مرة ثانية .. وحين تذكرت بعد أكثر من ساعتين .. جاء على بالي غادة وأنا أقول لها أنني أرتكب ذنوب ومعاصي كثيرة .. ولكن يوما ما سأتوقف عن فعلها كلها وأتوب .. قالت :”مش يمكن ربنا ينسيكي تتوبي أصلا !” .. لم أرد .. لكنني قلت في رأسي بعدم اقتناع :”إزاي أنسي أتوب !!” .. وعرفت في هذه اللحظة كيف يمكنني أن أنسى التوبة .. هذا لأن كل الذكريات كادت أن تنسيني للمرة الثالثة أن أردد الدعاء .. ولكنني في اللحظة الأخيرة .. وقبل أن أنشغل بأي شيء آخر رددته .. رددته بخشوع شديد وأرضاني الله لأكثر مما كنت أتمنى أو حتى أتخيل !

كان أجمل يوم في حياتي على الإطلاق .. كل من أحبهم على هذه الأرض كانوا حولي _إلا قليلا_ .. وكان أحمد يفعل كل ما بطاقته ليسعدني .. كيف يمكن أن أشكره .. لا أعرف .. وهل ضروري أن أفعل .. لا أعرف أيضا .. هذا لأنني أفكر أنني قطعة من روحه فعل كل ما يستطيع ليسعدها .. أما عني .. فهو روحي كلها .. هل يمكنني إذن أن أشكر روحي؟؟؟  .. أعتقد أنه يمكنني فقط أن أشكر الله كثيرا كثيرا لأنه نفخ في جسدي هذه الروح  …. وجعل لها اليوم عيد ميلاد !

.

الجمعة .. 22 يوليو 2011

.

.

نسخ من كتاب “شاي بالنعناع” حاليا في :ـ
– مكتبة أبجدية .. 12 ش طلعت حرب
– مكتبة فيرجن .. سيتي ستارز .. مدينة نصر
– مكتبة عمر بوك ستور : 15 ش طلعت حرب، أعلى مطعم فلفلة
– مكتبة البلد .. أمام الجامعة الأمريكية .. 31 شارع محمد محمود التحرير
– مكتبة ليلى شارع قصر النيل من جواد حسني

.

.

.

.

.

مثل عصفور يميل بتعبه على غصن وينام .. هل شعر الكون بشيء؟  .. مثل عود نعناع يفقد نكهته بسعادة في فنجان شاي .. هل شعر الكون بشيء؟ .. مثل سنجاب يقفز بمرح إلى جحره المفضل في حضن الشجرة.. هل شعر الكون بشيء؟ .. مثل أغنية تتسرب بنعومة هائلة إلى قلب عاشق .. هل شعر الكون بشيء؟ .. مثل قوارب صغيرة تتمايل في ماء النهر حتى تصل إلى الضفة الأخرى .. مثل فلة بيضاء طارت بها الرياح لتهديها إلى شجرة سنط تحلم بأن تنبت يوما ما ورد .. مثل طفل مسرور يفتح عينيه في الشمس و يحاول بضحك أن يتعلق في حزمة ضوء ويتأرجح .. مثل فقاعة ترتفع بسلام إلى أعلى حتى ارتطمت فجأة بمنقار يمامة وتلاشت كأنها لم تكن ..  مثل أغلفة حلوى فارغة ومجعدة يجمعها طفل بحرص تحت وسادته بيقين أنه سيفوز في النهاية بالدراجة الهوائية .. مثل فتات بسكويت سقط من المرأة في الحافلة وثمة نمل كثير يهرول لالتقاطها .. مثل فلاح يرتاح في ظل الشجرة بعد يوم طويل بالحقل ويتناول طبقا باردا من اللبن الرائب .. مثل فراشة ترفرف بأجنحتها في سرعة لتهرب من فم خفاش ويتعفر الوجود حولها بالألوان .. مثل هذه الأشياء الصغيرة كلها كانت هناك عاشقة تميل لأول مرة على ذراع حبيبها وتنام نصف ساعة بالضبط تستيقظ بعدها مشدوهة من حلم جميل راودها و تتساءل …. هل شعر الكون بشيء !

.

.

قريبا !

.

.

.

.



.

.

إلهي أعدنـي إلـى وطـني عـندلـيب

.

شعر : محمود درويش

.

.

.

لا أحب أحدا بالدنيا كما أحب أمي ..

ولا أقدس أحدا بالدنيا كما أقدس أبي ..

أما عن أحمد .. فهو الرجل الوحيد _في نظري_ الذي يستحق أن تعشقه امرأة !

.

.

محاولة أولى باللغة الألمانية :

Ich glaube, dass der Erfolg ist die beste Ding im leben. Für mich bedeutet es Glük. Es bedeutet ,dass ich sein kann

Aber wie kann ich erfolgreich sein? … Erstens , Vertrauen ich muss haben , dass ich Fähigkeit habe und gebe das beste

Ich soll organisieren meiner zeit ..Auserdem soll ich nicht meine Arbeit bis morgen verschieben

Soll ich habe Geduld und erwarte nicht der Erfolg des ersten versuches .. Ich muss gut wissen ,dass keine Entscheuschung solange lebendig bin

*  this pic from my balcony in the morning

.

.

هذا الصباح .. السماء تنحني  وتهديني باقة ورد

.

.

my lovely house 🙂

.

.

.

.

.

.

.

.

.

هذا الأرنب لي 🙂

.

.

.

أخـتــي 😀

.

.

.

.

شوق العواصف في خطـاي ،،،

وفي شراييني ..

نـداء الأرض قـــاهر !

.

.

أظل عطشان .. وأحلم بيك يا ماي ……(أنا بلياك – إلهام المدفعي)

منذ أكثر من أسبوع وأنا أشعر بالظمأ الشديد .. وليس بإمكان أنهار الكون كلها أن ترويني .. حلقي جاف ..وكأس الماء لا يفارق يدي .. ومع كل رشفة العطش يزداد أكثر .. وشراهتي للمياه تتفاقم .. كأنني فتاة حوّلها دراكولا منذ أيام قليلة إلى مصاصة دماء مسكينة  تجلس مستندة على جدار في شارع مظلم ..تتلوّي من العطش وتحاول بلع ريقها بمعاناة صحراء تحرقها الشمس .. أتذكر الآن يوم الأحد الفائت حين ذهبت لأجري تحليل دم  للمرة الأولى بحياتي.. الممرضة تتحسس وريدي البارز .. تحاول إبرازه أكثر .. تغرس الأبرة برفق .. وأنا لا أغمض عيني بقوة كما اعتدت ان أفعل مع كل ألم … أنظر إلى دمائي وهي تغادر وريدي مذعورة .. لونها يشبه الأسود القاتم جدا وأنا أفتش عن الأحمر ولا أجده .. أدركت بحزن أنها تغادر الوطن في قلبي وليس ثمة طريق يشبه الوريد للرجوع .. فكرت لحظتها أن كل وداع هو بصورة أو بأخرى لا يتعدى كونه نزف .. يوجع ويؤلم ومع الوقت يُنسى .. تخيلت الممرضة هي دراكولا التي شربت من دمي وحولتني إلى هذه الفتاة الظمآنة التي لا تعرف كيف ترتوي .. هذا الشعور الذي لازمني من أول اليوم إلى آخره …بدأحين كنت خارجة من البيت في الصباح و توقفت فجأة عند آخر سلالم البيت :”نسيت أشرب” .. صعدت سريعا وبالمطبخ وجدت كأسا ممتلئا إلى نصفه كنت قد وضعته للتو على الطاولة .. نظرت له برفع حاجب ثم شربته إلى نهايته ونزلت ..

لم أفكر طوال الطريق في أي شيء ..  كنت شاردة وغير منتبهة .. وحين انتبهت في النهاية وددت لو يعود الطريق من أوله لأفكر في حكاية “عن شيطان فتاة” وأتخيل الأحداث القادمة .. أتذكر الآن “إيمان” حين قالت لي في المساء :”الحكاية دي عنك ..أنا متأكدة” ..نفيت… وأخذت هي تصر .. ولكنني الآن لا أنفي .. فأنا أكتب ما كان يمكن أن يحدث لي .. الحياة التي كان من الممكن أن تكون .. تماما كما يقول ساراماجو:”من سيكتب التاريخ الذي كان يمكن أن يكون !” .. حين قرأت هذه الجملة أول مرة وضعت تحتها خطاً وكتبت بجوارها .. “أريد بشدة أن أفعل” ..وكل ما أفعله الآن أنني أحاول وأنا أعرف أن كل الحكايات هي محاولات لكتابة تاريخ كان من الممكن أن يكون … أو سيكون …

وصلت الجامعة في حوالي الحادية عشر والنصف .. ووجدت على الفور غادة وعلا وعزة .. قضينا اكثر من ساعتين رائعتين معا حد أن أحمد حين هاتفني أول ما استيقظ سألني:”مالك مبسوطة كده !” .. التقطنا العديد من الصور .. جاءت أسماء ومنال قبل أن يأتي أحمد بقليل ونغادر.. وانتابني حزن صغير لأنني سأترك أسماء سريعا دون أن أمضي مزيدا من الوقت برفقتها .. أما عن منال فكان الفراق الذي نما بيننا منذ عام كنبات شيطاني يمتد ويتشابك ويفصلنا تماما … وقفت على مسافة قليلة منها أنتظرها تنطق:”ازيك يا دعاء” .. لم تفعل .. ولم أفعل أنا أيضا .. حتى نهاية اليوم حين قابلتها ثانية في حفل ” هشام الجخ” .. ذهبت إليها وقلت أنني لا أتذكر لماذا حتى تشاجرنا .. لا أتذكر سوى أنكِ منال صديقتي فقط … وكنت أعني كل حرف مما قلته .. تصالحنا وتلاشت  كل الأفرع والغصون المتشابكة وأطرافها الحادة بفرقعة اصبعين في الهواء ..تعانقنا بقوة وشوق عام كاااامل كان فيه التجاهل هو سلوكنا ومنهجنا الوحيد … ورغم أن اليوم بأكمله كان رائعا ..إلا أنني اعتبرت هذا الحدث هو نصره الكبير ..

في حوالي الواحدة والنصف ذهبت مع أحمد إلى كورس الألماني … شعرت أن فراو أمل ليست في مزاج جيد جدا .. أحمد قال أنني أتخيل ولو كان ما قلته صحيحا فربما لأننا تأخرنا على موعدنا معها كثيرا…………… ربما … مايهم أنني حين خرجت من الكورس كانت في رأسي فكرة واحدة وهي أنني بحاجة ماسة لأن أذاكر ألماني طويلا بعدما راكمت دروس كثيرة .. وأحببت أن أتخيل أن هذا سبب ضيق فراو أمل ..كي أتحفز أكثر للمذاكرة !

كانت الساعة في حوالي الخامس إلا الربع .. وكنا قد تأخرنا على موعد الحفل كثيرا … ألغينا الغداء واشترينا بالطريق سناكس و زجاجة ماء ولكن بعدما تأخر الحفل أكثر من ساعتين عن موعده عرفنا أنه لم يكن هناك داعِ للعجلة ..

لم نشعر بالملل لطول الوقت وإنما مضى سريعا بين مواهب جميلة تغني وتمثل وتلقي الشعر … أُعجبت بأكثرهم .. ولكن شاب واحد أحدث زلزالا صغيرا في روحي وهو يغني بصوته العذب جدا جدا جدا :

نحلم على كيفنا .. نغلب عذاب خوفنا .. نرسم على كفوفنا .. قلبين وسهم اترمى

ما يهمناش الليل .. ولا ألف جرح و ويل ..طول ما الحياة بتميل .. نعدلها واحنا سوا

قادر أكون وهكون .. عاشق بحب الكون

والأمنيات واللون .. والفجر لما يعود

الأغنية رائعة .. والصوت أكثر من رائع حد أنني فُتنت بالاثنين معا .. ورغم أنني عرفت أن الأغنية لمحمد فؤاد بالأساس _وانا لا أستلطفه كثيرا_ إلا أنني لم أكن سمعتها منه وهذا كافي لأن أنسب الأغنية انتساب كامل لهذا الصوت …

جاء “هشام الجخ” في السابعة والنصف تقريبا .. وكاد صوت التصفيق الحاااااااد والصفير أن يصم أذنيّ .. هذا الصوت الذي ما توقف طوال الحفل وجعلني أتذكر عبارة هشام الجخ عن حلمه :” عايز لما أموت .. العالم كله يقول هشام الجخ مات” .. العبارة التي جعلتني أفكر أنه لو كان بإمكاني أن أحلم حلم غيري  ..لكان هذا الحلم .. غير أنني لا أستطيع أن أفعل هذا .. الأحلام بالنسبة لي أمر حميمي للغاية .. لا يجوز تقليده أو التشبه به ..  ولهذا أنا أحاول أن أصنع أحلامي الخاصة .. أحلامي التي تناسبني وحدي ولا تناسب غيري كحذاء سندريللا .. وأحاول أن أمتلك الإيمان بقدرتي على تحقيقها .. الإيمان الذي تأكدت من وجوده في قلبي لحظة غنى الشاب :”قادر أكون وهكون !” فاهتزت الأرض من تحتي !

عن الحفل مرة أخرى … كان رائعا إلى أقصى حد .. أنظر إلى أحمد بين دقيقة وأخرى .. بسعادة طاغية لكونه حبيبي .. لكونه الرجل الذي يمسك بيدي ويعبر بي منعطفات العالم أجمع ..فكرت بهذا عقب انتهاء الحفل .. بيده التي لا تترك يدي .. بارهاقي وتعبي الذي نام على كتفه .. وهو يوقظني برفق لأحادث أمي .. !

أصل المنزل في العاشرة والنصف تقريبا .. بحكايا وتفاصيل كثيرة .. ورغبة هـــــــــــــائلة بالنوم …. أبدل ملابسي سريعا .. أتفقد الفيس بوك سريعا .. أطمئن على وصول أحمد لمنزله … أشرب زجاجة مياة كاملة … وبعطش كــبـيــر أنام !

أنـــا :

أنا لوحدي في البـــيــــــــــــــــــــــــــــــــت >:d<

 

منار:

بجد؟

قومي اعملي حفلة وارقصي

وفكي شعرك ودوري حوالين نفسك

وتخيلي انك بتحيي جمهورك

واعملي حركات باليه كأنك في بحيرة البجع

وبعدين اتنططي زي المجنونة للمطبخ .. وافتحي الثلاجة وانتي بتغني أغنية بيئة وهاتي حاجة تاكليها

وارقصي بالمطاوي واقفلي باب الثلاجة بزقة من جنبك كأنك بتغريه

وارجعى اهبدى نفسك على كرسى الكمبيوتر وغنى باعلى صوت

واضحكي بعد كده على أحلى هبل عملتيه !!

.

.

.

.

انت حبيبي .. كلي إلَـك مـا تـغـار !

 

غناء : غادة شبير

كلمات : نديم محسن

 

.

.

.


– ما الذي يحدث لي إذا خفت ؟

– ببساطة ، يكبر في دمي ألف أرنب مذعور ، وأهرب . *

ما الذي يحدث لي إذا خفت ؟ .. ما الذي يحدث لي إذا خفت ؟ … ما الذي يحدث لي إذا خفت؟ .. ظل السؤال يتردد في رأسي باستفزاز أول ما قرأته .. حد أنني عجزت بعده عن متابعة القراءة .. أنا لا أعرف ما الذي يحدث لي حين أخاف … وهذه إجابة تجعل السؤال أكثر استفزازا .. كأن شيطانا يقف خلف أذني .. ولا ينفك يكرره.. ضغطت بأطراف أصابعي على جانبيّ رأسي كمحاولة للتركيز مع كل هذا الصخب …ولم أفلح !

لحظة لآخذ نفسا طويلا  …….  حسنا …

حين كنت بالصف الثاني الإعدادي وبالتحديد في أجازة الصيف الذي تلته.. استمعت إلى محاضرة نفسية تابعة لبرنامج ترفيهي بالمدرسة أجبرتني أمي على حضوره … أتذكرها الآن كظلال باهتة في قلب إضاءة خافتة .. كتب المحاضر على السبورة .. ” FEAR” قال أن هذه الكلمة هي حروف مختصرة لجملة “False Evidence Appearing Real” …أي أنه شعور خاطيء يبدو وكأنه حقيقي ..لم أفكر في صحة هذه الجملة من عدمها .. كنت أؤمن وقتها أن كل ما يقوله الكبار صحيحا … وكل ما علينا نحن الصغار أن نصغي ونتعلم .. وربما لهذا تظل الاعتقادات التي نتلقاها في الصغر ثابتة بداخلنا إلى النهاية .. حتى ولو عرفنا فيما بعد أنها مجرد هراء .. نظل نؤمن بها مهما كلفنا الأمر .. ما يهم أن هذه العبارة لم تشغلني كثيرا وقت عرفتها .. إلا أنها ظلت تخطر على بالي في كل مرة ينفضني فيها الخوف ويهز كوني  بأكمله .. فأستمر أردد :”هذا ليس حقيقي .. هذا ليس حقيقي!” .. بالضبط كما كنت أفعل ذات حلم قريب .. أقصد كابوس قريب ….. كنت مفزوعة وأردد :”أنا عارفة ان أنا بحلم .. أنا عارفة ان أنا بحلم” .. ذهبت لأمي في الحلم ورجوتها أن تصفعني لأستيقظ .. لكنها تجاهلتني ولم تفعل .. ذهبت لكل من أعرفهم ويمثلون الأمان لي أرجوهم أن يفعلوا شيئا لأستيقظ …ولكن لا أحد يلتفت لي .. كأنني لست مرئية ..كأنهم لا يأبهون… كأني وعيي بأنني أحلم ليس كافيا … تماما كإيماني بأن الخوف ليس حقيقيا .. لا يجدي وقت الهلع ..!

من حوالي شهرين أو ثلاث .. شاهدت فيلم “case 39” … الفيلم عن فتاة لا تخشى أي شيء بالعالم ..أي شيء ..وتمتلك قدرات خارقة تمكنها من قتل من تريد عن طريق أكبر مخاوفه .. تتودد إلى ضحيتها كثيرا أولا ..بلطف ودهاء حتى تعرف منها الشيء الذي تخافه أكثر ..ثم تستخدمه كسلاح في جريمتها … مثلا حين عرفت من المحقق النفسي أن أكبر مخاوفه هو الدبابير .. فجعلته يتخيل جيوش دبابير تخرج من كل مكان ..من الفتحات في الحمام .. من الباب .. من اللاشيء ..تدخل وتخرج من أذنيه وفمه .. تسير تحت جلده .. أخذ يصرخ وينتفض ..يتخبط في كل مكان بعنف وجنون حتى شُجّت رأسه ومات !!… باختصار هي تكتشف عفريت كل شخص وتظهره له … وما يقتله هو الخوف وليس العفريت المُتخيَل الغير موجود أصلا … وربما هذا يؤكد أن الخوف ليس سوى عفريت غير موجود يبدو وكأنه حقيقي !

هذا يدفعني لأن أتساءل الآن عن أكبر مخاوفي وعن شكل عفريتي؟ ..لا أعرف ….. هل يجب على أن أقول أنني لا أخاف إلا الله..كإجابة سهلة ينطقها الجميع طوال الوقت ؟ …فلماذا إذن أعصاه وأبالغ في العصيان إن كنت أخافه فعلا .. وإذا كنت لا أخاف من الله .. فمن ماذا سأخاف ؟؟… هذا يذكرني بقول “الفضيل بن العياض” :

“إذا سألك احد :هل تخاف الله؟

فاسكت !

فإنك إن قلت نعم كذبت !

وإن أنت قلت لا كفرت !

لذا سأسكت أو سأتحدث عن مخاوف بشرية عادية وتافهة كالثعابين والدبابير وغيرها .. وإن حدث وظهرت لي فسأردد سريعا :”هذا ليس حقيقي … هذا ليس حقيقي !” قبل أن يكبر في دمي ألف أرنب مذعور … وأهرب !!

.

________________________________________

* من رواية “الآخرون” لـ صبا الحرز

“زي الهوا يا حبيبي … زي الهوا … وآه من الهوى يا حبيبي …آه من الهوى”

تخترقني الأغنية ببطء وهي تعيد نفسها للمرة الثانية … أسمعها دون أن أذوب في رومانسيتها وإنما أفكر في الأشياء التي تشبه الهواء حولي .. الأشياء التي تحيط بي وتلاصقني تماما ولكن بمجرد أن أحاول مسكها وإحكام قبضتي عليها تفر و تنزلق من يدي … تهرول مبتعدة وهي تمد لسانها في وجهي ..وتطلق ضحكة ماكرة عابثة  معناها: “وعليكي واحد !!” ..

أتذكر الآن صديقتي التي عرّفتني من فترة قصيرة على صديقة لها .. تحدثت بعدها مع صديقتها هذه مرات قليلة جدا ومقتضبة للغاية .. واليوم تخبرني صديقتي :”بتقول عنّك طيبة وعسولة وان هي حبتك” .. لم أرُد وأقل نفس الشيء عنها كما كان ينبغي أن أفعل .. وإن كنت حتى شعرت في داخلي به .. إلا انني لم أعد كالسابق أحكي انطباعاتي الأولى وأفصح عن أحكامي السريعة .. ثمة فارق شاسع بين الشعور بشيء .. والنطق به .. النطق والاعتراف يحوّله إلى واقع وحقيقة حتى وإن لم يكن كذلك .. يتحول الأمر إلى قناعة .. ويغدو تغييره صعبا ومؤلما بل وصادما في كثير من الأحيان ….  كالمرة التي تسرعت وصدقت فيها أنني أخيرا حصلت على جو العائلة الذي أريده .. على بنات عمومتي اللاتي تحولنّ إلى صديقات مقربات بإمكاننا أن نثرثر ونضحك ونبكي ونسافر ونمرح ونروح ونجيء معا … ولكن في لحظه واحدة تلاشى كل هذا …تبخر كأنه لم يكن .. وتألمت فقط لأنني تسرعت في التصديق والفرح .. فاض بي .. وإن كنت لم أتعلم الدرس في مرات كثيرة سابقة فلأن الجرح في كل مرة يكون أكثر اتساعا و أشد ألما و وجعا .. تماما كأقراص الدواء التي كنت في البداية أبتلعها بصورة طبيعية مع صعوبة  ضئيلة جدا .. صار ابتلاعها يزداد صعوبة في كل مرة منذ أربعة أسابيع …. وبالأمس أخبرت أحمد عن مغامراتي أثناء ابتلاعها ..  أضع القرص قرب حلقي ..وأشرب الماء سريعا عليه … ولا ينزلق … تزداد مرارته وتكاد تجبرني على التقيؤ .. أرغم نفسي على المحاولة ثانية بوضعه تحت لساني .. أدفع برأسي إلى الوراء كأنني ألقي بالقرص  في جوفي.. دون فائدة أيضا ..  أخرجه وأرميه بعنف في صندوق القمامة بضيق بالغ .. أفتح قرصا آخرا وأضعه داخل كأس الماء ليذوب ثم أنوي شربه دفعة واحدة .. أغمض عيني بقوة وأنا أضع طرف الكأس على شفتي .. أجبر نفسي على رشف بضعة قطرات .. مرّ .. مر .. مر إلى أبعد حد … أضع عليه ملعقتين من السكر وأقلّب .. يصير طعمه أبشع .. بالنهاية أسكبه في الحوض .. وأقرر إعادة المحاولة بعد ساعة أو ساعتين ريثما أرتاح قليلا من المحاولة الأولى ..!

ما أردت قوله أنه مع الألم لا يوجد ما يسمى بالتعود … الأمر يزداد سوءا في كل مرة .. الانطباعات والأحكام والأراء السريعة غالبا ما تضيع كلها وتتلاشى كما يتلاشى الهواء من قبضة اليد .. ولا يتبقى من الغنوة الحلوة  ..إلا الدمع يا حبيبي!

“وأتاريني .. ماسك الهوا بإيديا .. ماسك الهوا .. وآه من الهوا يا حبيبي آه من الهوا ” !

.

كلما تقابلنا أو تحادثنا أو حتى تراسلنا .. أجدها تقول لي في النهاية :”دعاء … قوليلي حاجة بالألماني !!” .. ولأنها أمس طلبت مني أن أغني لها … و وعدتها أن أفعل .. وبغض النظر عن صوتي السيء جدا .. فإليكِ هذا :

Alles Gute Zum Geburtstag

.

.

أنا مخطئة جدا..  و أفكر في ذنوبي كثيرا .. وفي الملاك الذي يحلق على كتفي الأيسر ويقابله لاب توب معلقا في الهواء بأجنحة ترفرف نابتة من ظهر الشاشة حيث يكتب كل صغيرة وكبيرة
أعرف أنه الآن منهك جدا و يحب نومي لأنه الوقت الوحيد الذي يتوقف فيه عن العمل .. يرتاح و يجلس ليفكر في مصير أفضل من بعدي .. كأن يزور البيت المعمور مثلا و يصير ملاكا ساجدا عند العرش…..بينما ستكون روحي حينها حاقدة عليه ..  وتنتظر بكتاباته في ركن قصي من الكون رحمة ربها !

.

منذ أكثر من خمس سنوات كنت قد بدأت في قراءة رواية “عالم صوفي” لـ “جوستاين غاردر” .. وللأسف لم أنهيها حتى الآن … كنت في السابعة عشر تقريبا أو أقل قليلا .. والرواية ضخمة للغاية وليست مشوقة على الإطلاق .. أمضيت عدة أيام وأنا أفني مقلتيّ بها بنفاد صبر وإصرار على إكمالها فقط كي أتمكن  ذات غرور من أن أقول: ” لقد أنهيت هذه الرواية الصعبة !” .. لكنني لم أنل هذا الشرف ..وألقيتها من يدي بعيدا قبل أن أصل حتى إلى منتصفها بعدما توصلت لنتيجة مفداها أنني “لا أفهم شيئا” ..أو أنني أفهم كل سطر على حدة .. دون أن أصل لفهم المعنى العام … وإن كنت أعيد التفكير في هذه النتيجة الآن ولديّ رغبة قوية بالمحاولة مرة أخرى  بهدف معرفة الفارق بين درجة استيعاب عقلي قبل خمس سنين والآن.!

وبعيدا عن كل هذه الثرثة التي لا علاقة لها بالموضوع فأنا أود أن أقول أنني تذكرت هذه الرواية اليوم بالذات لأنني كنت أفكر في معنى لـ ” الدهشة” .. لم يأتِ الأمر على هذا النحو أيضا ,, وإنما أتى حين كنت مستلقية على السرير هذا الصباح ولم أنهض بعد .. كنت أفكر في كل الأشخاص حولي وأتخيل وجوههم وردود أفعالهم حين تصيبهم الدهشة .. أول من تخيلتها كانت “غادة” .. تذكرتها وهي ترفع حاجبيها وتفتح عينيها على آخرهما حتى تكاد تخرج من محجريهما  كأفلام “توم&جيري” وتشهق .. تخيلت وجهها مرات ومرات وأنا أضحك .. وهذا دفعني لأن أقول في سري :”طيب ماما” … حين أقص عليها شيئا يدهشها ..تقوم بنفس رد فعل غادة أحيانا لكنها في أغلب الوقت تشهق :”لأ … اقعدي ساكتة !!” … أما عن أبي … فهو يطلق ضحكة عالية مهما كان مصدر الدهشة جيدا أو سيئا .. فقط يطلق هذه الضحكة مبدئيا ومن بعدها ينفعل بالفرح أو الغضب … أما أحمد … فرد فعله الأول هو السخرية بكلمات وجمل تثير ضحكي .. ثم يبدأ بعدها في أخذ الأمر بجدية … محمد أخي .. حين تصيبه الدهشة يتسمر في مكانه .. فلو كان يشرب  مثلا يده تظل مرفعوة لثواني طويلة .. ولو كان يهم بالجلوس يظل مهما به .. ولو كان يضحك أو يبكي أو يفعل أي شيء بالدنيا فهو يتجمد على وضعه الأخير … مي صديقتي ترجع خطوتين إلى الوراء .. أسماء تصمت تماما لفترة وتتجمد ملامح وجهها مع اتساع ضئيل في عينيها … وهكذا .. حاولت تخيل كل من أعرفهم لحظة دهشتهم …

أما عن دهشتي أنا .. فلا أعرف … ربما أنا بحاجة لمن يخبرني عنها .. وربما ليس لي رد فعل معين يميز دهشتي .. أعرف فقط أنني في أحايين كثير أفتعل دهشة تليق بالموقف .. و بغض النظر عن كوني ممثلة فاشلة وبإمكان من يعرفني جيدا أن يميز بسهولة افتعالي هذا إلا انني بحاجة فعلا لمن يخبرني عن دهشتي الحقيقية .!

منذ عدة ساعات جاءني تعليق على صورة كنت قد وضعتها على الفيس بوك لشكل “جنينة البيت” بعدما غسلها المطر:

Although I live in the country and i see such scenes every day, this photo is really amazing

فقلت :

“Although i see this scene every hour … it always amazes me”

بعدها فكرت أن هذا لم يحدث إلا منذ سنوات قليلة فقط .. وأنني في صغري كنت أرى هذا المشهد دائما دون أن تصيبني أي دهشة .. في هذه اللحظة بالضبط تذكرت مشهدا من رواية “عالم صوفي” . وربما هو الشيء الوحيد الذي أتذكره منها :” الأب والأم مع طفلهما الصغير في المنزل .. الأم مشغولة في المطبخ ..والأب يلهو مع الابن … فجأة الأب يطير حتى يصل إلى السقف ..فيضحك الطفل ويظن أن أبيه يلاعبه وينادي على امه :”انظري يا ماما .. بابا يطير !” ..وفور أن تراه الأم يسقط مغشيا عليها من فرط الدهشة !!” *

أما عن دهشتي مرة ثانية .. فأنا أذهل من أشياء صغيرة للغاية ..بينما أشياء أخرى هائلة لا تسترعي انتباهي حتى … ثمة خطأ ما لا أدركه … خطأ ربما تفسيره في “عالم صوفي” !

______________________________

* هذا المشهد رويته كما أتذكره  وليس كما أورده “جوستاين غاردر” في روايته حين أراد أن  يبين كيف هي عقول الأطفال ليس لها حدود ولا تعرف مايسمى بالمستحيل .. بينما عقول الكبار صارت سجينة للواقع  …!

.

صوتي..

يـقـلـص المســـافـة إليـك ،،

صوتي  .. يحلو بين يديـك ،،

صوتي ..

يـحررك .. يحــررني

يطهرك .. يطهـرني ،،

ومن أنت؟ .. أنت صوتي

حياتي بعد موتي !

.

بعد أقل من أربع ساعات نوم .. في تمام التاسعة صباحا تفتح أمي باب غرفتي لتوقظني … لا أتذكر ما قالته بالضبط .. لكنني أتذكرني وأنا أرفع رأسي من فوق الوسادة وأنظر باتجاه الباب .. أرى خيالها ومن وراءه يطل النور بفضول يحاول أن يخترق الظل ويدخل ..قالت شيئا من قبيل أنني سأتأخر .. وقلت أنا بصوت يقظ رغم النوم الكثير :”حاضر يا ماما ..أنا صاحية أهه”

لا أشبه أخوتي حين تأتي أمي لتوقظهم فيردون بهمهمات واهنة وضعيفة وممتلئة بالنوم .. حتى ولو كانوا يقظين أصلا .. يغيظني هذا جدا وأعتبره “دلع” مفرط .. وربما بسبب هذا الغيظ بالذات أتعمد دائما أن أجيب بصوت صاحي و بكلمات واضحة مهما كنت غارقة في النوم ..أو على الأقل طالما كنت أعي هذا .. استيقظت وفور أن تنبهت واكتشفت أن أمي توقظني في الموعد الذي أردته تماما بينما أنا كان يتوجب عليّ  أن اوقظ أحمد في الثامنة بالضبط  و مرت أكثر من ساعة دون أن أفعل ..اجتاحتني عاطفة قوية تشبه تأنيب الضمير لأم أهملت طفلها الوحيد ….هاتفته وغادرتني هذا الشعور فورا أول ما وجدته صاحيا يرتدي حذائه وعلى وشك النزول .. كنت قد تأخرت كثيرا على معاد كورس “ICDL” .. وكان مصدر سعادتي الكبير هذا الصباح أنني توضأت وصليت الفجر قبل أن أنام .. ولن أضطر مطلقا إلى سحب قدماي من تحت البطانية ووضعهما تحت الماء … غسلت وجهي ..وأسناني سريعا جدا (وهذه إشارة صريحة يا وفاء بأنني فتاة نظيفة “واخدة بالك؟؟؟”) ثم ارتديت البنطلون والجاكيت فوق رداء النوم .. أتحرك باتجاه باب المنزل ونصف قدمي داخل مقدمة الحذاء بينما طرفه الخلفي مثني تحت كعبي .. الحقيبة على ذراعي دون مراجعة لمحتوياتها.. يد تمسك بالموبايل والأخرى تحكم من لف “الطرحة” حول رأسي … بالطريق اشتريت قالبين صغيرين من الشيكولاتة .. واحدة لي كفطور .. و الثانية لـ معلمتي “إيناس” التي تشرح لي الـ “Icdl” ..

أصل إلى مكان الكورس ..أدق الباب ويبدو أنه لا أحد بالداخل ..أهاتفها فتخبرني بكلمات سريعة وموجزة أنها دقيقتين فقط وستكون عندي … أسند كتفي على الجدار الملاصق للباب وأنتظرها .. في الشقة المقابلة مجموعة من الشباب يروحون ويجيئون وهم يتحدثون بصوت عالي .. أحدهم يقول شيئا وهو ينظر إليّ باستفهام .. بينما الآخرين يميلون برؤوسهم لأغدو في مجال رؤيتهم .. أشعر بالإحراج قليلا فأفضل النزول إلى الشارع وانتظارها أمام مدخل العمارة .. أستند إلى سيارة بينما الوقت يمضي بطيئا .. أقرر في رأسي أنني لن أعطيها قالب الشيكولاتة وسألتهمه أنا فيما بعد .. ولم يكن هذا القرار نتيجة غضبي المفتعل من تأخرها .. وإنما كان في الحقيقة طمعا بالشيكولاتة .. تأتي بعد ربع ساعة تقريبا ..تعتذر وهي تلهث .. تخبرني أن زوجة أخو زوجها وضعت مولودها الأول هذا الصباح .. واضطرت أن ترافقها في المستشفى وتأخرت رغما عنها .. تسألني عن اسم بنت جميل وتبرر أن زوجة أخو زوجها لم تفكر طول التسع شهور الماضية في اسم للمولود .. ولم تحاول حتى الكشف عن نوعه .. تخبرني أيضا عن حب عائلتها للمفاجآت وطول بالهم .. باختصار تحكي لي قصة حياتها وقصة حياة زوجة أخو زوجها .. لكنني لن أتفضل بحكيها طبعا لأنني الآن أحكي قصة حياتي وحدي .. والمساحة هنا لا تسع غيري ! ..

المهم ..أخذت الكورس برغبة مميتة في المغادرة والنوم طويلا طويلا طويلا .. عدت إلى المنزل سريعا وكنت في غاية سعادتي للمرة الثانية هذا الصباح حين جئت لأبدل ملابسي  ووجدت رداء النوم أسفل الجاكيت .. غطست بفرح أسفل البطانية وغطيت وجهي  وأغمضت عيني.. دقيقة … دقيقتين … ثلاث … عشرة … ربع ساعة ولم يخطفني النوم بعد .. أزيح البطانية وأغادر الغرفة .. أجلس في الصالة مع أمي وشيماء … نتحدث ونتحدث ونتحدث “plauderen und reden…plauderen und reden  ” ..أجلس أمام الشاشة .. أستمع لأغنية “بالي معاك” مرات كثيرة وأشعر بالأغنية كما قلت بالضبط .. تسير في دمي .. تتكور في شراييني .. عند القلب تماما .. تقتلني !.. أهدأ جدا رغم النبض السريع في قلبي .. أمي تقف ورائي .. وتزايد على قتلي حين تمرر أصابعها في شعري … بهدووووء … أغمض عيني .. وأهوى … أهوى ..أهوي مع الأغنية :”بالي معــاك .. بالي .. بالي .. بالي ….يا أبو الجبين عالي .. عالي … عالي ” … أتمنى وأتمنى لو تدوم هذه اللحظة إلى الأبد …هذه اللحظة التي تكفي فتنتها لأن تملأ عمرا بأكمله …. ” القلب لو قال آه يا حبـيـبي آهاته بتكــويــني … امتى بقا الدنيا يا حـبيـبي بـقـربك هـتحلالي … بالي معاك … بالي ..بالي .. بالي … بالي “

 

أتأخر مرة ثانية على ميعاد كورس اللغة الألمانية .. ويتكرر مشهد الصباح بحذافيره وزيادة عليه رشة توتر .. أمي وشيماء يصرخون في … أسماء تدور حولي ..  أبي يجلس في السيارة أسفل المنزل ويطلق “الكلاكس” دون توقف .. سريعا سريعا أغادر .. ألتقي بأحمد ونذهب إلى الكورس معا … نصل ..و أفرح جدا برؤية “فراو أمل” .. تبدو لي اليوم أجمل من أي يوم مضى .. انتبهت لأنها لا تضع هذه المرة ملمع شفاه .. وربما لهذا كانت بطبيعتها أجمل.. لا أدري .. أعرف فقط أنها كانت حصة رائعة ممتلئة بالمنافسة بيني وبين أحمد .. برسومات “فراو أمل” التي تجعلنا نكتشف معاني الكلمات دون استخدام اللغة العربية … بتمثيلها للكلمات التي لا يوجد طريقة لرسم معناها .. أحب طريقتها في الشرح جدا ..و لو كنت تمنيت فيما سبق أن أصير رسامة بعد شغفي برسام مذهل .. أو  “مصوّرة” بعد فتنتي بمصورين عظام .. أو أحببت كوني سأصبح طبيبة بعد تعلقي بمسلسل “Grey’s Anatomy” .. فإنني اليوم أقول ليتني كنت معلمة بعد ولعي بطريقة شرح “فراو أمل” ..!

انتهينا من الكورس وخرجت منه إلى مركز “IT Acadmy ” .. من أجل دفع رسوم “Icdl” وتقديم بعض الأوراق .. ومنه إلى النادي حيث جلست أنا وأحمد لأكثر من ساعة ونصف .. يذهب هو ليحضر بيتزا ..و أجلس أنا على الطاولة وحدي أراقب الأطفال وهم يطلقون فقاعات الصابون .. ويغمرون المكان بنتف الثلج والضحكات … وثمة طفل صغير عمره لا يتجاوز الثلاث سنوات يفرد ذراعيه وربما جناحيه وهو يدور حول ..أمه .. وربما يحلق … يدور دورته في المكان ثم يجري مرة واحدة باتجاهها بالأجنحة المفرودة فتضمه .. كأنه .. طير .. وكأنها العش .. وأنا أفكر بأنه ليس في الوجود علاقة أجمل من علاقة الطيور بأعشاشها ..  يأتي أحمد ..نجلس معا نلتهم البيتزا والبطاطس الساخنة ونحن نتابع مباراة الزمالك مع الأفريقي التونسي … الأهلاوية يجلسون في جانب ويصفقون مع كل خطأ يرتكبه الزمالك … والزمالكوية يصيحون ويهللون وينفعلون … كنا مشغولين بالحديث والثرثرة أكثر من متابعة المباراة حتى الكارثة في نهايتها … في البداية ضحكنا على ما يحدث .. وشيئا فشيئا بدأ الأمر يتطور ويغدو كارثة فعلا … وبالمناسبة أنا أعتذر كثيرا كثيرا لتونس على هذا الانفلات وهذه الهمجية الغير مسبوقة .. لن أدافع أو أبرر أو أقول شيئا عن الفتنة التي يخلقها فلول النظام السابق كما يشيع الجميع .. فقط أنا أعتذر لتونس دون مبررات وأنا أعرف انه اعتذار صغير من فتاة ضئيلة مثلي لن يصل صوتها مطلقا ..وربما لهذا لايسعني سوى أن أدعو:”ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا” … !


شيماء تتصل بعد الثامنة بقليل فور أن وقعت الإمضاء .. فنغادر أنا وأحمد إليها ثم نذهب ثلاثتنا إلى موعدي مع الطبيب لأرجع إلى المنزل قبل منتصف الليل بقليل بكيس أدوية أكبر من سابقه و روشيتة تأمر بأخذ عينة من دمي بعد أسبوع … دمي الذي يتباطىء الآن في شراييني … يمضي بهدووووووء وتعب بعد يوم طويل شاق … أطول من طاقتي على الحكي … من مشواري مع أبي بعد كل هذا .. من آيس كريم بالشيكولاتة والفانيليا لم يغادرني طعمه بعد .. من أحاديث كثيرة كثيرة  …. سأرويها لاحقا لأنني الآن …… زهقت وتعبت !

 

أخيرا فقط …سأدير أغنية ” بالي معاك بالي بالي بالي بالي …. يا ابو الجبين عالي عالي عالي عالي ” … وسأناااااااااااام !

 

.

هذه الأغنية تسافر في دمي .. تتكور في شراييني … عند القلب تماما … تقتلني !

.

.

قال البحر للسمكة : لماذا أخطأتِ الطريق ؟

– إنها تياراتك يا سيدي .

قال البحر للسمكة : لماذا التهمتِ ما ليس لكِ ؟

– إنها مجاعتك يا سيدي .

قال البحر للسمكة : لماذا جبنتِ أحيانا عن قول الصدق ؟

– إنها أسماك قرشك يا سيدي .

قال البحر للسمكة : ولماذا هاجرتِ من كهف إلى آخر ؟

– كنت أفتش عن الشمس يا سيدي .

قال البحر للسمكة : يالكِ من مخلوق غريب وغامض !

– أنا ابنتك يا سيدي .

 

* غادة السمان

.

وعــدي ويا حـيرتي  .. وعـدي ويا حيرتـي

من لـي رحـيم شـكـوتـي .. في الحب من لـوعـتي

إلا ملـيـك الجمـال

إلا مـليك الجمــال

إلا مليك الجمــال

.

.

أغنيـات لا تـنـتـهي عـلى شـباكـنا !

 

.

اهداء إلى الفتاة الهاربة من الأساطير .. من صدى الزمان القديم.. إلى غـــــادة .. !

كان ياما كان … في غابر الزمان .. امرأة حلوة كالرضا .. عذبة كالندى … وديعة كالأطفال ..

خلقت من ماء وتراب ..في قلب أرض من الرجال خلقوا من تراب فقط

خُلقت بأمر من زيوس كبير آلهة الأوليمب وسيدهم ..

بعدها استدعى كل الآلهة من أجل تقديم هداياهم إليها ..

فمنحتها “فينوس” ربة الجمال .. الدلال والفتنة ..

وأهدتها “أفروديت” … الحب والعشق ..

وأعطتها “منيرفا” إلهة الهدى .. الذكاء والحكمة ..

ومنحها “فولكانو” ..إله النار والحديد ..طبيعتها النارية ..

و وهبها “أبوللو” صاحب القيثارة الذهبية .. الصوت العذب والموسيقى الآسرة …

وأهدتها “ديانا” الهيفاء ربة القمر .. الرقص والتهادي فكأنها نسيم فضي يهبط من القمر ليرتفع ويعلو في السماء..

ومنحتها “آرتميس” إلهة الحنان والولادة والعذرية ..الأمومة والعطف

حتى “آيريس” الربة المنكرة ..أعطتها الدهاء والمكر

فخرجت إلى الكون مخلوقة حسناء ..احتاروا في تسميتها ..

وفي النهاية أطلقوا عليها  “باندورا” ..أي “التي مُنحت كل شيء” …

تنزل باندور إلى الأرض فتملأ الأحقاب موسيقى .. والحياة مرحا .. واللانهاية سحرا وجمالا

تروي عطش الأرواح المتعبة ..والقلوب الواجفة..

والأجساد التعسة المخلوقة من تراب ظمآن لا يشتهي من الكون كله  إلا قطرة ماء ..

قطرة ماء واحدة .. تدعى باندورا ..!

.

.

Papa  …. I love you

.

14

نشرت هذا المقال مرة منذ أكثر من عام ونصف ..بالتحديد في 21-سبتمبر-2009 .. لكنني وجدت هذه الأيام تناسبه أكثر ..

مصر قوة عظمي في 2020..جملة مثيرة .. حالمة حقا .. وربما سيتعدى صداها في رؤوس الكثيرين من طابع الحلم ..إلى طابع السخرية ..وبإمكان صبي صغير لازال يتعلم الحروف ..أن يقرأها ويضحك .. لأنه سيكون بإمكانه أن يصدق أن الشمس ستشرق غدا من الغرب ..ولن يستطيع أبدا أن يصدق أن مصر ستكون قوة عظمى في 2020 ..وإن رفع الصبي نظره إلي ليكتشف إن كنت أشاركه الضحك أم لا ..سيجد أنني ألف خصله من شعري حول أصبعي وأنا أحاول التفكير في الجملة بشيء من الواقعية ..وربما يعتقد أن مجرد التفكير فيها بواقعية ضربا من الحلم …لذا سأتجاهله تماما .. وهو يبعد بصره عني ..وينشغل بضحكه ..وأفكر بالعكس ..من اليسار إلى اليمين ..سأبدأ من “2020” ..من المشكلة الأولى ..لأننا في مصر نعرف  شيء اسمه “الوقت” ! ..ولكنه الوقت الذي ينتهى إلى عدم ..لأننا لا ندرك معناه ..لا ندرك قيمته من ساعة ودقيقة وثانية ..وبتحديد فكرة الزمن ..يتحدد معنى التأثير والانتاج ..وهو معنى الحياة الذي ينقصنا ..هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد ..هو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة والنشاط والمعاني والأشياء ، حظ الشعب المصري من الساعات ..كحظ أي شعب متحضر ..ولكن عندما يدق الناقوس مناديا الرجال والنساء والأطفال إلى مجالات العمل في البلاد المتحضرة ..أين يذهب الشعب المصري …هذا هو المؤلم حقا …الوقت يضيع ويهرب كما يهرب الماء من شق في الاناء ..ويبدو أن الحل واضحا كالشمس ..لكنني أخاف أن نطقته ..أن يبدو أنني أردد شعارات ..وهذا ما لا أريد أن أفعله ..لأنني مع أول كلمة كتبتها أحاول أن أتجنب الشعارات بكل الطرق .. لأنها صارت كلمات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع ..كما أننا شعب حالم بطبعه وما ينقصنا هو المنطق العملي ..وربما كانت المشكلة تكمن هنا ..أننا نقوم على العاطفة في تدبير شؤوننا ..وكل ما نفعله أننا تحدث ..ولهذا يصعب على شعب ثرثار  أن يسمع الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب ..لكأنه يجري على أطراف أصابعه ويفر كالماء ..لذا لو قلت : يجب أن نعرف قيمة الوقت ..أو ” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” ..هل ستبدو جمله تصلح أكثر لأن تكتب على لوحة في ممر مدرسة أو جامعة ولا يُلتفت إليها كأنها جزء من ورق الحائط ..يبدو هذا ! ومع هذا لا يمكننا أن نستسلم سريعا ..لأننا بصدد تجربة عنوانها ” مصر قوة عظمى في 2020″ ..ولكل تجربة مراحلها التى تتصف بالاحتمال والمحاولة ..وهما يسبقان الفكرة الواضحة التي نستخلصها في المرحلة التالية ..فلو جربنا أن نعلّم الرجل والمرأة والطفل ..تخصيص نصف ساعة يوميا لأداء واجب معين ..فإذا خصص الفرد هذا الجزء من يومه في تنفيذ مهمة منتظمة وفعالة ..فسوف يكون لديه في نهاية العام حصيلة هائلة من ساعات العمل لمصلحة الحياة المصرية في جميع أشكالها العقلية والخلقية والفنية والاقتصادية والمنزلية … وسيثبت هذا ” النصف ساعة ” فكرة الوقت في العقل المصري ..أى في اسلوب الحياة في المجتمع ..وفي سلوك أفراده ..وسترتفع كمية حصادنا العقلي واليدوي والروحي …وهذه هي الحضارة..!

وكاثبات لأنني لا أطلق شعارات سأعطي مثالا للتجربة ..وهي ما حدث في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية ..تلك الحرب التي خلفت وراءها ألمانيا عام 1945 قاعا صفصفا ..حطمت فيها كل جهاز للانتاج ..ولم تبق لها من شيء تقيم على أساسه بناء نهضتها ..وفوق هذا تركتها لتصرف شؤونها تحت احتلال أربع دول ..فلما بدأ النشاط يسري في الشعب الألماني في بداية عام 1948 كان وقتها عند نقطة الصفر من حيث المقومات الاقتصادية المتوفرة لديه ..وبعد عشر سنوات بالتحديد ..في مارس 1957..فتحت القاهرة أبوابها للمعرض الألماني ..وأذهلت المعجزة مصر والعالم وقتئذ..إذ ينبعث شعب من الموت والدمار ..وينشىء الصناعات الضخمة التي شهدتها القاهرة وقتها ..وبتحليل هذه المعجزة وجدوا فيها عوامل كثيرة لا سبيل لانكارها ..من بينها الاقتصاد في الجهاز الادارى ..حيث أصبح الكثير من أعمال الحكومة ..يقوم به أفراد الشعب كواجب عليهم ..ولكن العامل المهم من هذه العوامل جميعا ..هو الزمن ..فقد فرضت الحكومة عام 1948 ..على الشعب الألماني كله ..رجالا ونساءا وأطفالا ..التطوع ساعتين يوميا ..يؤديها كل فرد زيادة على عمله اليومي وبالمجان ..من أجل الصالح العام فقط وسمي هذا … التجنيد العام !

 

لازلت أسير في الجملة ” مصر قوة عظمى في 2020″ ..وها أنا وصلت عند ” قوة عظمى” .. وبإمكاني أن أختصرها إلى “قوة” حتى حين أصل فيه لمعنى القوة أولا ..ومن هو القوي بالتحديد …وإذا عنيت بـ مصر ..شعبها ..فكيف بإمكان شعب لم يستيقظ بعد من سباته ..أن ينهض ويفيق ويقوى؟ الحقيقة أنني لا أتخيل الشعب كله في حالة نوم .. ولكن الصحوة فيه تقتصر على أفراد قليلة جدا أمكنها أن تنهض وتشب وتثبت ذاتها في قوى عظمى أخرى لا تقاربها مصر.. كأن البطولة عندنا صارت  تقتصر على قوة فرد .. لا في تكاتف المجتمع ..كأنها مناجاة ضمير لصاحبه  ..لا يصل صداه إلى الضمائر الأخرى فيوقظها من نومها العميق .. ولكن ماذا لو قام الناهضين بمحاولة في تجربة “مصر قوة عظمى في 2020” فتجمع العلماء والأطباء و المفكرين والأدباء والمنهدسين وكل الشخصيات المصرية الرائدة ونفذوا “حملة اعلانية ضخمة لايقاظ الشعب” ..كمنبه هائل يصل صداه لكل أذن في مصر واستيقظت أمة مازالت مقلتاها مشحونتين بالنوم ونهض المعنى الجماعي ..وتحولت مناجاة الفرد إلى حديث شعب ..فتساءل الناس كيف نمنا طويلا ؟..وهل استيقظنا حقا؟ .. وماذا يجب أن نفعل الآن ؟ وتضاعفت هذه الأسئلة على شفاه قوة غمرتهم الدهشة ..ومازالو يتقلبون في خدر النوم ..يتلمسون منه فكاكا …حينها ستأتي أول إجابة لأهم سؤال وهو “من أين نبدأ؟” ..حيث أساس أى تغيير وموطن المعجزة كما دل القرآن ..وهو النفس ذاتها ..”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” ونحن القوم الذي يدعو الله أن يغيرهم .. والاجابة واضحة : علينا بأنفسنا .. يجب أن نسلم بأن عجز الحكومة ليس من عبث القادة ..ولا من أفعالهم ..بل هو من النفس ذاتها التي قبلت الذل والخضوع ..لأن كابوس البؤس لن يذهب عن الشعب بمقالات ولا كلمات أدبية وخطابات وشعارات ..وإنما بتحول نفسي ..سيصبح معه الفرد شيئا فشيئا ..قادرا على القيام بوظيفته الاجتماعية .. جديرا بأن تُحترم كرامته ..حينها سيرتفع عنه طابع “المواطن المطحون” ..وبالتالي لن يقبل بحكومة تطحنه وتمتص دمه فكأنه بتغيير نفسه قد غير وضع حاكميه تلقائيا إلى الوضع الذي يرتضيه ..ولكل سعي أثره وإن قل ..إذ هو يساهم في بناء النهضة تماما كما تساهم القشة في بناء عش الطير وقت الربيع ..!

 

“مصر قوة عظمى في 2020” ليست جملة عقيمة كما يتخيل البعض ..لأنها تدور حول تطهير الأفكار والأخلاق والعادات والشؤون الاجتماعية والتعليم والتربية والايمان بالذات وبارادة شعب  يستطيع أن ينهض ببلده لأنه فقط .. يريد بشدة أن يفعل ! … وكل هذه الأحاديث ذات قيمة لأنها بعيدة عن منطقة الغوغاء وعن الرياء والذاتية والنزعات الانتخابية … ولأنها فقط من شخص لا يريد أي شيء سوى نهضة وطنه!

 

لم ينتهي الحلم ..والتجربة تتسع لأفكار كثيرة كثيرة ..ولأحلام يسهل على الصبي تصديقها ..كأن أخبره ..أن الشمس ستشرق غدا ..عندها سيعيد بصره إليّ وسيجدني أبتسم بأمل …وسيبادلني الابتسام !

جروب : مصر قوة عظمى 2020 !

 

دعـوني أشـرح شهـادتي

.

.

(لقد قتلت) .

 

قاسم حداد

بحـجـم العـالـم كـلـه

.

.

.

.

.

ToOoZz

.

.

.

(فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)

.

سورة التوبة .. آية: (129)

.

There ain’t no mountain high enough
Ain’t no valley low enough
Ain’t no river wide enough
To keep me from getting to you

.

خوسيه ساراماجو ……… رواية (الطوف الحجري) :

إن الكتابة عملية صعبة بشكل فظيع ، فهي مسئولية ضخمة ، يكفي التفكير في العمل المضني الذي يتطلبه سرد الأحداث تبعا لترتيبها الزمني ، هذا يأتي أولا ، ثم يليه ذلك أو تقديم مغامرة اليوم قبل واقعة الأمس والعديد من الألعاب البهلوانية التي لا تقل خطورة ، ولو كان ذلك يناسب أكثر الأثر المطلوب ، الماضي وكأنه وقع في التو ، والحاضر وكأنه مستمر بلا بداية ولا نهاية ، لن ينجح المؤلفون قط أيا كانت الطريقة التي يستخدمونها في أن يسجلوا في ذات الوقت حدثين وقعا معا في وقت واحد .. يعتقد البعض أنهم تغلبوا على هذه الصعوبة عندما قسموا الصفحة إلى عمودين متساويين ، إنها حيلة ساذجة ،لأنه يتعين ملء أحد العمودين قبل الآخر .. مع الأخذ في الاعتبار أن القارىء يقرأ أحد العمودين أولا ..والآخر بعد ذلك ..أو العكس ،

إلا أن حظ مغني الأوبرا أفضل ..فإن كلا منهم يلتزم بالجزء الخاص به ، ويغنون ثلاثة وأربعة وخمسة وستة في آن واحد ، ما بين تينور وجهير وسوبرانو وجهير أول ، ولكل منهم نصه ، نص الساخر الوقح والمتضرعة الساذجة أو نص العاشق الذي يتأخر في الإسراع لنجدة الحبيبة …أما بالنسبة للمشاهد فإن ما يهمه هو الموسيقى .. غير أن الأمر مختلف تماما بالنسبة للقارىء ..إذ يجب شرح كل شيء له .. كل مقطع لفظي الواحد تلو الآخر كما تمت مشاهدته !

لتبدأ الحياة كل يوم من جديد .. كما لو أنها بدأت للتو !

“جوتة” ..

.

.

“فراو / أمل” .. فتاة لطيفة تعطينا دروس في اللغة الألمانية أنا وأحمد .. تعلق في مكان الكورس ورقة ملونة مكتوب عليها :” Deutsch macht Spaß” أي :”اللغة الألمانية متعة” وحرفيا :”الألمانية تصنع المرح ” .. حتى حين غيرت مكان الدروس.. وجدت في المكان الجديد ورقة مماثلة عليها نفس العبارة .. أتذكرها الآن لأنني أشعر أن “فراو/ أمل” تجد المرح حقا في لغتها الألمانية .. في الحديث بها بحماس وعيون لامعة .. في تعليمها وبذل وقتها كله لها .. في محفظتها المستطيلة الملونة بلون الأرض الألمانية .. الأسود والأحمر والأصفر…  بـ “Deutschland” .. وأنا أفتش منذ الصباح عن المرح الذي بإمكاني أن أحصل عليه في حياتي إذا كنت فقدت الصبر على إكمال أي عمل قد يؤدي إليه ولطالما أدى إليه في السابق .. فكرت أنني لو اعتبرت هذه الحالة مزاج سيء _رغم أن هذا الوصف غير دقيق _ وأنه مع الوقت سيتحسن وكل ما عليّ هو الانتظار فقط ..فسيبدو هذا انهزاميا للغاية .. أعرف أنني أحتاج فقط لأن أمتلىء بالحماس من جديد .. لكنني أرفض دائما كلمات التشجيع أو الحماسة الذي يصبها في شخص ما .. أو حديث ما .. أو حدث ما … ليس تقليلا من شأنها .. وإنما لأنني لا أريدها أن تدخل إليّ .. وإنما تخرج مني ..  أريد أن أعتمد على ذاتي بشكل مطلق .. أن أتعلم هذا .. لا الوقت بإمكانه أن يجعلني أفضل .. ولا الآخرين .. وحدي من دون أي شيء آخر  قادرة على هذا الفعل .. الذي إن فعتله سأستحق بجدارة وقتها أن أكون بحق أفضل ..!

ولأن الحياة كما يقول الكاتب الألماني الكبير “جوتة” تبدأ في كل يوم من جديد .. فسأعتبر الآن .. أن أمس “لم يكن” أصلا .. وفقدان الصبر ؟ .. ماذا يعني فقدان الصبر؟ … هل بإمكان الصبر أن يُفقد؟.. كحقيبة أو خاتم أو سلسلة مفاتيح مثلا؟

.

اليوم .. 26 – 2 -2011 … استيقظت في السادسة صباحا بالضبط .. توضأت وصليت الفجر وقرأت وردي اليومي من القرآن .. تناولت فطورى وأنا أتصفح آخر الأخبار .. بدا اليوم منذ اللحظة الأولى جديد جدا .. وكأنني لا أكرر ما أفعله كل صباح .. لا أعرف .. شيئا ما لا أدري كنهه كان جديدا … أنا التي كنت أتحدث بالأمس عن فقدان الصبر وأنني لا أطيق اكمال أي أغنية ..أجدني أدير أغنية لـ حليم مدتها “53 دقيقة” وأسمعها إلى نهايتها !.. لم أكن أجبر نفسي على سماعها كما فعلت مع الكتاب الذي فتحته وصممت على القراءة ولو كنت حتى لا أريد ..وإنما شغلتها لأنني تذكرت أحمد في آخر يوم رأيته وهو يغنيها وأحببت أن أسمعها في هذه اللحظة بالذات .. أقوم أيضا بتحميل فيلم “لا تراجع ولا استسلام” الذي شاهده اخوتي في السينما دوني .. لم أكن أخطط لتحميله أو قمت بالبحث عنه .. وإنما بالمصادفة كنت أتصفح آخر الأفلام على “my egy” و وجدته آخرها ! …أفتح الكتاب وحليم يغني “ميّل وحدف منديلة ..كاتب على طرفه أجيله …وأمانة يا دنيا أمانة .. تاخدينا للفرحة أمانة .. وتخلي الحزن بعيد عنا .. وتقولي للحب استنى استنى !” … أتفاجىء بأول سطر في الكتاب هو اقتباس لـ “جوتة”  يقول:” لتبدأ الحياة كل يوم من جديد .. كما لو أنها بدأت للتو !” .. أصدقه .. أصدقه ..أصدقه  وأنا أعرف أن الحياة في هذه اللحظة لا تبدأ فقط للتو .. وإنما تبدأ أمام عيني للتو .. تريني ولادتها من رحم البارحة .. تولد من دون صراخ أو ألم .. تولد وعلى شفتيها إبتسامة مرحة جعلتني أتذكر “فراو/ أمل” وعبارتها “ Deutsch macht Spaß” .. جعلتني أكتب عبارتي الخاصة :*” leben macht Spaß   … جعلتني أدلف إلى الساحة وأعلق على جدرانها :**”ballsaal macht Spaß ”  …….. وعلى الفور تنطلق رقصة ! ***

.

.

______________________________________

* الحياة متعة / الحياة تصنع المرح!

** ساحة الرقص تصنع المرح !

*** موسيقى “victory”  للفرقة “bond” : هي الموسيقى الأكثر مرحا التي سمعتها في حياتي !

 


فقدت الصبر !

فقدت الصبر على القراءة .. ولو حتى صفحتين شيقتين من كتاب رائع كنت أدفع نصف عمرى سابقا لألمح عنوانه فقط ..!

فقدت الصبر على إكمال أي أغنية مهما كانت جميلة إلى نهايتها أو منتصفها أو حتى تجاوز مقدمتها .. !

فقدت الصبر على كتابة أشعار درويش في قصاقيص ورق صغيرة ونثرها بأشيائي وكتبي حتى إذا ما تلفت هنا أو هناك خطفني بيت شعر !

فقدت الصبر على الجلوس بجانب أختي كل ليلة بعد إطفاء الأنوار كلها لنشاهد أفلام رعب بالساعات ونحن نأكل البطاطس المقلية ونخبىء وجوهنا بأيدينا ونصرخ بهلع وسعادة في آن !

فقدت الصبر على الدخول إلى المطبخ والتحول إلى “عم سلطان” الذي يرتدي قبعة بيضاء  صخمة ويصنع عالمه الخاص من المر والحلو .. وكأنه يفعل شيئا فريدا .. وكأن العالم ليس هكذا حقا !

فقدت الصبر على الحكي والثرثرة .. على الصمت والنظر إلى الكون .. أو على إغماض عيني ومحاولة الإنصات إليه  .. على تتبع النجوم والمضي باتجاه السماء .. على البحث عن الكنز المدفون أسفل شجر الجوافة .. على إكمال كل النصوص الغير مكتملة .. على البحث عن صورة مناسبة  أرفقها بالنص (وإن كنت وجدتها سريعا  فهذا من حسن حظي فقط) .. عن محاولة التوضيح أكثر أو محاولات لاكتشاف الأسباب … فقدت الصبر حتى عن التدرب على الرقص !

فقط …..  فقدت الصبر !

.

«لأنّ كلّ الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون!» (إنجيل متى: 26، 52)

.

.

أفكر الآن في أي الأشياء آخذ كي أهلك به راضية !

.


 

.

عندما يتوقف الأمر عليك فقط … لا تريد أن تفعل

وحين تريد أن تفعل بشدة … لا يتوقف الأمر عليك فقط !

.

 

.

كل حزن يقتل في داخلنا شيئا ما .. حتى وقت نتوقف به عن الحزن .. ليس لأننا فقدنا القدرة عليه .. وإنما لأن كل شيء أخيرا قد مات !

.

.

.

 

الآن أنا أتساءل عن سبب لسعادتي الغير مبررة طوال الوقت … حتى في اللحظات التي تستلزم أن أحزن !

.

.

كأنني أتجول في قلب الجنة

وأحلم أن أكون تلك الملكة التي يغار منها كل الحور العين !

.

” شال صوف ومشروب دافىء وكي بورد وإضاءة خافتة .. ومقال يشع حرارة !”

هكذا نصحني !

حسنا !

إليك مني /

في منتصف فصل الشتاء تماما  كانا معا .. السماء ممتلئة بالمياه وثمة ملاك يمسكها من طرفيها ويعصرها كـ كنزة صوفية فوق منزلهما الصغير تماما .. الرياح تضرب النوافذ بعنف .. تعصف بالأشجار في جنون …وهي  تجلس أمامه على السجادة.. بين رجليه المثنيتان قليلا .. تستند بظهرها على صدره وهو يحتضنها من الخلف .. يحاول تدفئتها بكل الطرق .. يضمها بين ذراعيه طويلا.. ينفث في يديها كثيرا .. يمرر كفيه على كتفيها صعودا وهبوطا علّ الحرارة تنبعث من تحت أصابعه .. وهي تكرر بصوت مرتجف وعابث :”لا أمل .. لا أمل” .. تنهض من مكانها فجأة .. تلقي بالشال الصوف على طرف السرير .. تخلع كنزتها القطنية أيضا وتقذفها بجوار الشال ..  تدور أمامه بـ بلوزة خفيفة بدون أكمام  دورة راقصة.. يصيح فيها :”ستموتين بردا” .. تبتسم بخبث وهي تخطو ناحية الثلاجة .. تفتح باب الفريزر وتخرج علبتين آيس كريم مثلجتين وتركض ناحيته بسعادة تاركة باب الثلاجة مفتوحا ومن داخلها تخرج  ” آآآح” طويلة .. يتناول الآيس كريم من يدها ويقرر فجأة أن يشاركها الجنون هو الآخر.. ينهض بنفس ابتسامتها الخبيثة  .. يدير التلفزيون ويضع فيلم “ice age” داخل الـ “DVD” …تطلق ضحكة عالية وهي تمد يدها له كي يأتي ويجلس بجوارها ليشاهدا الفيلم معا .. يتجاهل يدها الممدودة و يمشي  على الأرضية الباردة حافيا باتجاه باب الفريزر المفتوح .. ظنت للحظة أنه سيغلقه ويعود  إلا أنه أخذ يفرغ كل مكعبات الثلج به في طبق كبير قبل أن يندفع نحوها ويضع الطبق تحت قدمها وهو ينحني للأمام ويطوح يده بحركة مسرحية :”ladies first” … تضع قدمها اليسرى بالطبق بضحكة مرتجفة وجسد مرتعش … يجلس بجوارها ويضع قدمه اليمنى أيضا ..يشهقان معا:”آآآح” … يضحك بعبث:”أنتِ بدأتي  .. تحملي إذن!” .. تلتصق به و تقبله قبلة خاطفة:” أنا آسفة ..وأعتذر .. لننهي هذا” … ينطق بصرامة مصطنعة :”قبلة واحدة لا تكفي يا هانم ” .. تغتاظ منه .. تنحني على الطبق فجأة وتمسك مكعب ثلج بدأ في الذوبان وتلقيه على رقبته .. يرميه بعيدا في سرعة و ينتفض كله مع قطرة ماء باردة جدا ذابت من الثلجة وتنزل ببطء على جسده ..  تهم بالإنحناء مرة ثانية ناحية الطبق لكنه يشدها بقوة إليه وهو يصيح:”حسنا .. حسنا .. قبلة واحدة تكفي” .. يدفع الطبق بقدمه بعيدا …يضغط على زر الإغلاق في الريموت .. يجذبها إلى صدره وكلاهما يرتجف بشدة وبضحك .. أطرافهما متمجدة وأنفاسهما تتسارع وترتعش .. يلف الشال الصوف حولهما معا وهو يحتضنها بقوة .. يهمس بأذنها: “أحبك” وهي لازالت تشهق :”آآآح” !

.

قمت بإنشاء صفحة جديدة تتضمن أجزاء “عن شـيطــان فتـاة” مدمجة معا ..فقط لمن يرغب بقراءتها دون تقطيع أو فوارق.. وسأقوم بتحديثها أول بأول بإذن الله عقب كتابة أي جزء جديد .. فقط لمن يرغب يضغط هنا ==>>

(عن شـيـطــان فتــاة )

.

 

موشح : لاه تياه

الطريقة التي تنطق بها “أهـــواه” عند الثانية 56 بالضبط تأسرني .. تعذبني .. يخرج صوتها خالصا من قصبتها الهوائية .. من رئتيها .. من الهواء الذي يلامس قلبها تماما .. الهواء الذي عرف بصدق كم هي .. تهواه !

.

Forty one ways to die

شاهدت ليلة أمس فيلم “remember me” … الفيلم رائع جدا رغم نهايته الحزينة الغارقة في الدمع .. شعرت وأنا أشاهده أنني فتاة حقيقية .. وأن كل الأشياء الصغيرة التي أشعر بها وتحاصرني في كل مكان لها وجود فعلا .. و وجود قوي للغاية !

شعرت أنني أريد أن أعيش لحظاتي بكل ما فيّ من حياة .. عرفت أن كل المرات التي تخيلت فيها أن الموت يراوغني كنت أنا من أراوغه ..حين أركب سيارة مسرعة متهورة قد تنقلب في أي لحظة .. حين أفتح المياه الساخنة وأنظر للغاز وأشعر أنه على وشك الانفجار .. حين تهب ريح عاتية كـ موت لتعصف بالأشجار أمام البيت وحوله وتضرب الشبابيك والأبواب .. حين أفكر بكل هذه الأشياء وما يشابهها ويماثلها أكون أنا من يراوغ الموت .. أعرف أنه سيفاجئني حين أنسى كل هذا .. حين أشعر أن كل شيء في مكانه الصحيح تماما ..وحين أريد أن تستمر كل لحظة إلى الأبد .. حين أفكر في سهل أخضر منبسط  لا تقربه الزلازل و سرب حمام أبيض يحلق أعلاه .. حين أتحول لسمكة سعيدة تسبح في بحر دافىء يغمره الشمس وينساه الموج .. أو حين أكون مدمنة أدرينالين لا تفكر في الموت وإنما تشعر بنشوة هائلة حين تركب سيارة مسرعة مجنونة بلا غطاء و الهواء يخترقها ويمر من خلالها .. حينها .. في هذه اللحظة فقط سيباغتني الموت .. لأن الموت يباغت لكنه لا يراوغ !

قد يتخيل أحد أن ما يسيّرني في الكتابة هو رهبتي الشديدة من الموت .. ربما هذا صحيح .. ولكن إن كنت هكذا فلأنني أحب الحياة أكثر من أي شيء آخر .. أريد أن أعيش دائما .. لا أريد للموت أن يقف في طريقي .. حتى وإن جاء .. فأنا أرغب بالقفز فوقه .. أفكر كثيرا بأنه لو سامحني الله وغفر لي و وقاني عذاب النار فسأطلب أن تكون جنتي تشبه حياتي التي أعيشها الآن .. بكل ما فيها من فرح وحزن وانتصارات وانهزامات وانسكارات وحب طاغي لكل الأشياء الصغيرة جدا التي لا ينتبه إليها أحد ..بقوانين كثيرة أتخطاها وأتجاوزها بخوف ولذة ..لا أريد قصور تجري من تحتها الأنهار ولا أكواب وأباريق وكأس من معين ولا سرر من حرير وقطوف دانية وولدان مخلدون .. أريد حياة كاملة بكل متناقضاتها ..ألم يقل الله :”ولهم فيها ما يشتهون” .. أنا إذن أشتهي الدنيا ..وأريدها حياتي الآخرة !

لم يكن قصدي أول ما بدأت الكتابة أن أتحدث عن كل هذا .. كنت أريد فقط أن أحكي عن الفيلم وتأثيره القاتل في .. لكنني انحرفت وانحدرت أكثر مما ينبغي .. كأن الشاشة أرض ملساء تميل بي  بانحدار شديد ولا يوجد أي شيء لأتشبث به  .. فقط انزلاق لا نهائي !

هذه الأغنية للأرواح  التي تبكي إلى الله في الليل ..  وتنبت الزنابق قربها مع أول نهار !

.

.

أريد أن أخلعني وأنام .. أن ألقي روحي بإهمال على الكرسي المجاور ..وأطفىء النور ..  ولا أكون !

.

 

لا أعرف ما كتبت ! .. هل سيصدقني أحد؟ ..كنت أستمع لموسيقى اسمها “dancing with the wind ” كنت شاردة للغاية .. وحين انتبهت وجدتني كتبت الآتي … قد تكون كلها أشياء وكلمات لا قيمة لها .. لكنني مأخوذة بما حدث وأرفض أن أعيد كتابتها أو أنقص أو أزيد عليها لأخرج بمقال جيد مثلا !

 

الباب المفتوح على الليل .. باب غرفتها المؤدي إلى الشرفة .. إلى الساحة الكبيرة والأرض الواسعة .. تحلم بأن تنزل وتقف في منتصفها تماما ..تفرد ذراعيها للبراح .. للريح .. للحياة بأكملها .. تشعر أن الهواء سيدخل رئتيها في هذه اللحظة فقط .. أن الحياة ستملأها في هذه اللحظة فقط .. وهي لا تطيق الانتظار لتعيش .. تفرد ذراعيها في الشرفة .. لليل .. لضوء القمر الخافت .. تعرف أنها ليست طيرا .. لكنها لم تفقد الأمل بأن تكون .. تفكر في سعادتها وتعاستها .. في المسافة التي تفصلهما والتي تقف فيها تماما .. تمتلك أسبابا قوية لكليهما .. أسباب جعلتها تقف في المنتصف لأن لهما نفس القوة مع فارق الاتجاه .. وهي تكره كل الاتجاهات لأنها تحيرها .. الرياح تهب من الغرب تحاول ان تقول أن الغرب ليس سيئا جدا .. والشرق الذي تهب عليه الرياح يحاول اثبات هذا أيضا .. وهي تقيّم العالم عبر الريح والأعاصير والعواصف والرياح الخفيفة انتهاءا إلى الهواء .. الهواء الذي يمر من تحت ذراعيها الآن لأنها لا تمتلك اجنحة .. الهواء الذي تجهل كيف تحتفظ به ..كيف تجمعه وتطير .. الطيران هاجسها .. الحرية .. الانتشاء .. العلو والارتفاع .. الروح الذي تُخلَق في هذه اللحظة فقط ..هذا ما يعني لها الطيران تماما .. الروح الذي تُخلَق في هذه اللحظة فقط ..ألم ينفخ الله فينا من روحه؟ .. الروح إذن هواء .. الروح حياة .. الحياة هواء .. وذراعيها يعجزان عن جمع الهواء .. عن لملمته في أجنحة لتطير !

______________

الباب المفتوح على الليل .. على الساحة الواسعة الخالية من القناديل .. على ضوء القمر الخافت الذي يغمرها كـ مسرح لم يأتِ أبطاله بعد .. تتيقن أن وحدها البطلة .. وأنها بطلة بالمصادفة أيضا .. وأنها البطلة الوحيدة التي تموت في الصفحة الأولى .. لم تختر هذا الدور .. ولم توافق عليه .. هي وجدت نفسها هكذا .. تعرف أنها لو لم تكن .. لما اختلفت الحياة كثيرا .. على الأقل حتى هذه اللحظة .. تكره وجودها حين يشبه عدمها .. ستندم جدا لو انتهت حياتها الآن .. كان من الأفضل إذن لو كانت فراشة بأجنحة معفرة بالألوان .. فراشة ساذجة خرجت من الشرنقة للتو وماتت بجرعة زائدة من لمبة نيون .. هي فتاة ولست فراشة للأسف .. فتاة لا تمتلك أجنحة ملونة ..وإنما ذراعين يعبر الهواء من تحتهما .. ذراعين مفرودتان على الليل . على الساحة والواسعة والبراح .. على كل الأشجار التي لا تحمل ورودا ولا يطير الفراش من أعلاها .. على الخريف الذي يتساقط به الورق والأجنحة والورد وتختبىء عفرة الألوان داخل الشرانق …. ليست حزينة ولا سعيدة ولا تشعر بشعور معين سوى أنها تريد أن تطير.. دون أي أسباب خفية أو غير معلومة .. تريد أن تطير لتكون حرة .تشبه الريح .. أو الروح .. لا فرق .. كلاهما هواء .. وكلاهما حر .. وكلاهما يطير !

_________________

الباب المفتوح على الليل .. على الأحلام المزعجة التي تأتِ من هذه الشرفة تحديدا .. تحتل رأسها في النوم .. في الصحيان .. في التيه الذي تعيشه ليلا .. كأنها خفاش بلا عينين يدور … ليست خفاش .. وكانت تطمح أن تكون .. تساءلت طوال طفولتها هل الخفاش طائر أم حيوان .. ومادفعها لهذا التساؤل كان برنامج “عالم الحيوان” الذي كان يأتي يوم الجمعة من كل أسبوع قبل إذاعة الصلاة .. لا تذكر بالتحديد ماذا قالوا .. وإنما تذكر أنهم حيروها فقط بهذا الشأن .. تتبعت الخفافيش .. شاهدتها لا تمتلك أجنحة وريش .. ثواني .. هي تكذب بانفضاح .. لم تتبعها ولم تطر خلفها في الظلام كما كنت ستدعي .. هي رأت خفاشا ميتا في بانيو الحمام .. لم تعرف كيف دخل ليرقد في هذا التابوت الضخم ودون غطاء .. صرخت أول ما رأيته .. ولكن حين هدأت وتأملته بتمعن عرفت أنه لا يمتلك ريش .. وإنما ذراعين يتصلان بجسمه بجلد رقيق يملأه بالهواء ويطير.. وهي ذراعيها مفصولتين عن جسدها يعبر الهواء من تحتهما .. لا تمتلك جلد الخفاش الرقيق الذي يمكنها من جمع الريح لتطير .. لتكون حرّة .. السماء كلها وطنها .. والأرض هي المنفي الذي لن تنظر إليه من هذا العلو .. والآن .. هي فتاة وليست خفاشا .. تعيش على أرض المنفى .. تحلم بوطن يحتضنها بقوة ويمسح من على ذراعيها آثار الخوف والغربة .. تحلم بالسماء .. بالرياح التي ستتطير عكسها ..روح تحلق عكس الريح .. روح حرّة لفتاة تمتلك ذراعين يعبر من تحتهما الهواء … ولكن حتى حين !

_________________

الباب المفتوح على الليل .. على الأغنيات التي تنطلق من الساحة الواسعة … الأغنيات التي تشدوها الرياح حين تمر على العشب الصغير .. أغنيات وحدها تسمعها .. تدرك أنها لها .. كعاشق يقف أسفل شرفة حبيبته ويغني حتى الصباح علّها تطل عليه وتبتسم .. وهي تطل وتطل على العشب الكثير الصغير .. تطل وتبتسم .. تفرد ذراعيِها للرياح التي تطلق اللحن .. تحاول أن تلملمها عليّها وتعانقها .. لكنها تتجاوزها وتمر .. الرياح لا تتعرف على روحها.. لا تعرف أنها منها وإليها .. هذا الجسد يعيق كل شيء .. يفسد كل أحلامها .. أحلام الحرية والطيران والعلو .. أحلام الروح التي تطل على الأغنيات وتبتسم .. الروح التي تفكر كيف تهرب من جسد له ذراعين يعبر الهواء من تحتهما .. الروح التي كانت تفضل لو سكنت فراشة ستموت بجرعة زائدة من مصباح نيون ..أو خفاش سيرقد أخيرا في بانيو الحمام … الريح تعبر على وجهها .. تتشكل عليه .. تحفظ قسماتها وتمضي .. تمر على الشجر الذي لا يملك ورودا .. تحفظ أوراقه أيضا وتمضي .. وهي تأمل ألا تنسى .. حتى لحظة تتحول فيه إلى روح أو ريح فتتذكرها وتعانقها بقوة .. ويصير لها وطن يمسح من على ذراعيها آثار الخوف والمنفى !

__________________

الباب المفتوح على الليل .. على المدى .. على الساحة الواسعة .. على خيال السماء على الأرض .. هكذا يكون الليل .. هكذا يختفي النور .. هكذا يتكور قلبها وينام ..إلا أن اجنحته ذات ريش قصير ..لا تكفي لأن……………………………

28 -10- 2010

كل الأشياء الجميلة تنتهي سريعا .. هكذا كان اليوم .. هكذا كان أمس .. وأول أمس .. هكذا كان العام بأكمله ..

28- 10- 2009 .. هو أول يوم قال لي أحمد “بحبك” .. ومنذها وهو يهمسها لي كل صباح ومساء ..حين أوقظه في السابعة والربع صباحا لعمله .. وفي الثانية ليلا قبل أن ينام .. وفيما بينهما …. عام كامل لم يحرمني منها إلا في أيام قليلة لا يتجاوز عددها ستة أيام على أقصى تقدير ..كنا قد تشاجرنا فيهم شجارات تافهة للغاية ..بعناد.. وطفولة.. و رأس يابس .. ولم نتصالح إلا لأننا كدنا نختنق بصمتنا وعنادنا وبزفير كتمناه بالقوة كي لا ننطق “بحبك” ..نعود بعدها لنتنفس بأقصى مانستطيع .. نستنشق وجود كلانا في الآخر بعمق .. ثم نزفر “بحبك” عاليا عاليا عاليا !

“قضينا اليوم بأكمله معا” .. ودون أن أحكي مزيدا من التفاصيل ..ماقلته فقط كافيا لأن تكون فرحتي كاملة .. وخفقان قلبي حتى منتهاه ..واليوم أجمل ما يمكن أن يكون .. كأن أحمد يأتي إليّ وفي يده علبة ألوان يميل بها من السماء على الأرض ويرسم قوس قزح .. يمسك يدي ويأخذني معه .. نمضي والورد ينبت حولنا في كل مكان .. يسبقني لأعلى التل .. وهناك نركب دراجات هوائية نتدحرج بها من فوق ..نصطدم معا ونسقط في ضحك ومرح .. نرقد على العشب بأنفاس متسارعة وفرح لا يوصف .. ننظر إلى السماء .. يتخيل هو أشكالا مختلفة للسحاب.. وأنا أخبره أن كل السحاب غزل بنات وأنا أود أن ألعقه ..يبتسم وهو يدير رأسه إلي ..ينظر في عيني ويقول :”بحبك” .. أشعر لحظتها أن الحياة بأكملها قطعة من غزل بنات ملون وضعها أحمد في يدي دون أن يدري .. هكذا هي أيامي معه !..كأنه شمس وأنا زهرة عباد مجنونة تتوارى بذبول وقت يغيب ..وهو يعرف كل هذا.. لذا يهددني في كل مرة أحاول أن أقدم على خطا ما بأنه سيلغي موعدنا القادم ومع هذا لم أهن عليه ولو لمرة واحدة أن يفعلها .. ربما لأنه الشمس الوحيدة التي تأبه جدا لحال زهرة عباد !

أعجبتني فكرته بأن نشتري لهذه المناسبة شمعدان نضعه في بيتنا فيما بعد ونشعله حين نحتفل بهذا اليوم في كل سنواتنا القادمة.. ذهبنا اشتريناه معا ..مع شموع برائحة الفراولة أيضا .. خرجنا من المحل وأنا أتخيلني أشعل الشمع.. اطفىء النور ..أنثر ورودا على الطاولة بين أطباق العشاء .. أدير موسيقى نحبها ..وأجلس على كرسي الطاولة أنتظره حتى يأتي .. يفتح الباب بهدوء.. يتفاجىء ويتسمر عنده..وأنا أعرف أنه يصطنع التفاجىء كي يسعدني .. بالطبع هو يتوقع أنني سأعد ما حلمنا به سابقا في هذا اليوم .. يضع مفاتيحه على رف المرآة قرب الباب .. ويخطو إليّ .. يمسك يدي ويجذبني برفق لأقف في مقابلته .. ينظر في عيني ويهمس :”بحبك” .. يعانقني طويلا ويخبرني أن أيامه بي أحلى ..أكف عن التخيل وأشعر أنني أحبه أحبه أحبه إلى مالانهاية .. يسألني كما سألني العام الفائت في نفس اليوم :”نفسك تكملي عمرك كله معايا؟” عندها قلت بخفوت :”آه” .. أما اليوم فنطقت بلوعة :”مش كفاية !” .. نطقتها وأنا أعلم أن كل الأشياء الجميلة تنتهي سريعا .. نطقتها وأنا أعلم أني أذوب في حبه كـ شمعة !

أنت …

أنت الضوء الذي أيقظني في الليل وجعلني أجلس إلى شاشتي الآن وأكتب ..

أنت أيضا عصير الجوافة بالليمون الذي أتناوله الآن لأننا حين جلسنا في “أكسجين” آخر مرة وطلبته أنت ..امتعضت أنا في نفسي ..وتساءلت :”يعني ايه جوافة بلمون .. حاجه حلوة يعني؟” .. وبينما أنا أعده منذ قليل وسألني أخي عما أفعله أجبت بسرعه:”بعمل جوافة بلمون … حلو أوي .. وبحبه” .. قلت هذا قبل أن أتذوقه حتى .. قلت هذا وأنا أحبك أنت ..

أنت المشهد االذي يضحكني في فيلم “ألف مبروك” .لأننا حين أنهينا مكالمتنا بعد الواحدة بقليل أدرت الفيلم حتى هذا المشهد وتخيلتنا نضحك عليه معا ..

أنت شرفة منزلنا التي لم أكتشف كم هي جميلة إلا بعد أن قضينا فيها ساعات طويلة معا نثرثر ونضحك وندوخ ويلفنا الرقص ونحلم بساعة إضافية أخرى ..

أنت الدخان الذي انتشر في غرفتي بشكل زخرفة لحظة أخبرتني أنك تختنق بهمومك ثم نمت وتركتني وحدي أختنق أنا بدخاني ..

أنت بحيرة زرقاء ممتلئة بـ بط كثير مرح يعوم ويقفز ويركض على حوافها وهو يلتقط الحَب والعشب وبمجرد أن يراني يتجمع حولي ..بعضهم يشدني من الأمام وآخرين يدفعوني من الخلف حتى أقع في الماء وأتحول إلى بطة مرحة أخرى تتوجها أنت “ملكة البط” لحظة تهاتفني وتنطق بسعادة :”إزيك يا بطتي !”…

أنت أيضا فنجان الشاي بالنعناع الذي لم أحتمل أن أشربه أمس وناولته لأمي ..لأنه جعلني أشعر كم أحتاجك وأفتقدك ..ولأنه مر عام على مواعيد كثيرة بيننا وبينه ولأن طعمه في تلك اللحظة كان يشبه طعم وجودك ..ولأنك لم تكن موجود.. فأنا لم أطق كل هذا الفقد …

أنت المطر المسحور الذي لمسني مرة فغدوت ينابيع ماء لا تنحسر ولا تجف ولا تنتهي ويشرب منها الخيل والطير والعاشقين ..

أنت الشمس والقمر والصباح ورائحة البرتقال وزهر عباد الشمس وأحلام الفراشات قبل أن تنتحر بالضوء وصوت النايات والغيم المسافر والريح الخفيفة والقوس قزح والياسمين أول الصيف وسلام العصافير وأغاني الحب والوجع الجميل وكأس الماء وطعم العنب وشكل البرق وانطلاق جناحين

أنت منزلي وسعادتي وحياتي وعمري و وجودي الذي لا يوجد إلا بك

أنت أنت  .. ويكفي أنه أنت !

إلهي عقـدت رجـائي عـليـك

وأطـرقـت رأسـي بين يديـك

فإن أنت لم تعف عني هلكتُ

وهل مفــزع مـنـك إلا إلـيـك *

بإسمك يارب أبدأ رسالتي الثانية إليك .. وأقول كما قال الخيام ..”إلهي عقدت رجائي عليك”.. أقولها وأنا أعقد رجائي وآمالي وأحلامي وأطماعي الكبيرة بأن تسامحني يا الله .. أعقدها جيدا لأن الشيطان في الأسابيع الماضية حلّ كل العقد التي سبق وأحكمت ربطها وأطال حبل المسافة بيني وبينك كثيرا لأبتعد وأتوه وأضيع وأغدو وحيدة جدا من دونك .. كنت كسلحفاة شقية أضاعت صدفتها في ليلة ممطرة وترتعش من البرد والخوف .. غير أن هذه السلحفاة كان كل هذا الوجود القاسِ عدوها .. وكنت أنا فقط عدوة ذاتي .. لم أستحق الشفقة مثلها .. وإن كنت توسلت إليك ذات فجر بأن تأمّني وتحميني .. فلأنني كنت سيئة كثيرا.. وطلبت هذا حتى إذا استحوذت نفسي عليّ وعصيتك ..أكون بريئة من هذا العصيان أمامك لأنني رجوت حمايتك وأنت لم تفعل .. إلا أنك فعلت يا الله .. كانت أشياء صغيرة جدا .. وكنت أشعر بوجودك فيها .. كنقاط ضوء صغيرة تطير بشكل فراشات ليلية عرفت أنني لو تتبعتها فستدلني عليك بالنهاية إلا أنني _ولغبائي_ لم أفعل !

حلمت الأمس بحلم يتكرر كثيرا منذ أن كنت بالصف الثالث الابتدائي وأخبرت معلمتي “سناء” عنه كشيء عابر ..لكنها صمتت ثم ذهبت وتحدثت مع بقية المعلمات وجاءت لتقول :”أيتها الملعونة الصغيرة ..أنتِ تكذبين وتؤلفين هذه الأحلام” .. ورغم أنني لم أكن أكذب أو أؤلف إلا أنني صدقتها وصمت أيضا ولم أعد لأتحدث عن هذا الحلم منذ ذاك الحين ..وأكتب لك اليوم عنه لأنني منهكة من أحلامي .. وإن كنت أتحدث كثيرا عن نهاراتي الفارغة فإن لياليّ ليست كذلك .. لم أعد أهب مفزوعة كل ليلة كما كنت بالماضي .. وإنما صرت أستيقظ بصداع ورأس مائلة على الجدار وأشياء كثيرة كثيرة أعيشها في أحلامي كما أعيش واقعي تماما وليس ثمة جدوى من محاولة اثباتها .. وليس ثمة طريقة أيضا من أن يشاركني أحد إياها !

حلمت أمس بيوم القيامة .. بالحساب .. بصحيفة ليست بيضاء بما يكفي .. بك يالله تنظر في أمري ..بالهول الذي يجتاحني أمامك.. كل من أعرفهم دخلوا الجنة ..و كنت أنا وحدي من أهل الأعراف .. لم أقذف في النار بعد .. والجنة لا تقول “هل من مزيد” !… استيقظت وأنا أحمدك يارب على فرصة جديدة للحياة.. وربما للنجاة …تأملت قولك :” وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم” .. وأنا أرجو توبتك و عفوك وأعقد كل رجائي عليك يالله .. أعقده بقوة وأزيد في العقد .. أطرق رأسي بين يديك وأحلم برضاك هذه المرة وإن كان حتى ثمن هذا الرضا هلاكي يا الله !


اطلب عينيه

غناء: سمية بعلبكي

تانجو عربي

.

دون كــيـشـوت

غناء : أميمة الخليل

ألحان : مارسيل خليفة


التعليق السادس و السابع !


كل هذا الملل كثير جدا على نهار واحد … وهذا غريب ..لأن شعور الملل لا ينتابني من الأساس إلا نادرا .. حتى وإن كنت أجلس صامتة وهادئة ومنزوية ولا أجد ما أفعله لساعات طويلة فأنا لا أشعر بالملل .. دائما ما تحتلني فكرة تسليني وتأكل الوقت بنهم وجوع شديد .. أما اليوم .. فلا شيء على الإطلاق .. كأنني حمام سباحة فرغ من مياهه وبهجته ومرحه و على أرضيته تتكوم أوراق الخريف الجافة بطريقة تثير الوحشة والحزن .. لا أستسلم لكل  هذا .. أبحث عما يسليني ولو قليلا .. أحاول تحميل فيلم كوميدي يشجع على الضحك .. يبدأ التحميل .. وأنا أجلس أمام الشاشة أتابع الأرقام المتزايدة .. 1% … 2% … 5% … 9% ..15%.. 17% … 22% …28% .. يتوقف التحميل لخطأ في الملف .. أزفر بحنق .. أراقب الأصدقاء ..أون .. أوف ….أون …أوف .. تنقطع الكهرباء … وأتحول أنا إلى “أف” طويلة جدا … أبحث عن شيء آخر أفعله ..أمسك ديوان “أزهار الشر” ..لـ “بودلير” .. وأبدأ القراءة :

أنا غرفة انتظار عتيقة

مليئة بالورود الذابلة

يملئها خليط عجيب

من أزياء فات زمانها

ولا يتنفس فيها عبير عطر مسكوب

إلا الرسوم النائحة

ولوحات بوشيه الشاحبة *

وتحت الأبيات يتحدث “سارتر” عن فكرة الضجر عند “بودلير” .. أندهش جدا ..لأنني لم أكن أعرف مسبقا أن الكتاب سيتحدث عن مزاجي الحالي ولهذا تناولته .. أندهش أكثر لأن الديوان ممتلىء بعواطف لا أول لها من آخر .. وأتساءل كيف يتصادف أن أفتحه الآن بالذات ..على هذه الصفحة بالذات .. أتذكر ولاء وهي تقول ” لا شيء يحدث بالصدفة حقا” ..و أنا المفتونة بالصدف أصلا.. المفتونة بها حد أنه حين تحدث واحدة فأنا أعيد كل شيء في رأسي من البداية بحاجب مرفوع وتأمل مذهول بأسبابها !

من حوالي أسبوع عاهدت الله بشيء .. وكان هذا سر صغير بيني وبين ربي .. وفي الأيام التالية لهذا العهد صار الشيطان يوسوس لي كثيرا كي أنقضه ..حتى اللحظة التي فتحت فيها المصحف لأقرأ وردي اليومي  .. وقع بصري أول ما فتحته على الآية :”وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضو الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون” …هل ثمة ما يسمى صدفة إذن .. لا أعتقد !

أفتح الديوان مرة أخرى ..أتابع القراءة :

كل الوحوش التي تدمدم وتزمجر وتزحف

داخل نفوسنا الآسنة الوضيعة

هناك واحد هو أشدها دمامة وخبثا

وهو وإن كان قليل الحراك ..ضعيف الصوت

مستعد بجولة واحدة أن يصنع من الأرض أنقاضا

وبتثاؤب واحد أن يبتلع العالم

إنه الضجر الذي يحلم بالمشنقة وهو يدخن نرجيلته

وفي عينيه تلتمع دمعة لا إرادية

أنت تعرفه أيها القارىء ..هذا الغول الناعم

أيها القارىء المرائي _ياشبيهي_ ..يا أخي !*

هذا الوحش يتلبسني الآن ..يتثائب وهو يشفط الهواء من حجرتي .. يحلم أيضا بشفط مياه كل حمامات السباحة في العالم أجمع … يحلم بأن ينفث على فراغ أرضياتها أوراق الشجر اليابسة.. الأوراق التي نسيت من فصول طويلة كيف يكون شكل العصفور المَرِح !



لا يجب أن نتذكر كل شيء ..

بعض الأشياء لا تستحق هذا الإحسان !

.

our shoes 😀

– أحبك !

– كيف تعرفين ذلك؟

– أشعر أنني أحملك في روحي .. أصلي لك أكثر مما أصلي لذاتي .. إن غبت ساعة لا أنفك أفكر بك !

– (يبتسم)

– وابتسامتك هذه .. حين أراها أشعر أن العالم كله بخير ! *


.

* Diary of mad black woman



احـكـي للـعـالم !


غناء: ريم بنا

شعر: سميح القاسم


ما أجملها !

عندما تلتقي قمم سمائنا

سوف يكون لبيتي سقف            “بول ايلوار”


أفكر طويلا في بيت الشعر هذا وأحاول أن أجد معنى له يناسبني أكثر مما يناسب القصيدة .. هكذا أنا دائما .. أبحث عن علاقتي بمعاني الأشياء وإن كان حتى ليس لي بها علاقة .. أخلق ما يربطني بها وأجعلها تدور في فلكي .. لا أتخيل أن في هذا الكون شيء ليس له صلة بي .. ليس لأنني مجنونة أو مصابة بالـ”شيزوفرنيا” كما كنت أذاكر في فرع “الأمراض النفسية” بمادة الباطنة .. حين يصاب مريض الشيزوفرنيا بـداء “العظمة” ويظن أن الكون يتآمر ضده وأنه أفضل من كل الخلق .. وإنما لأنني أثق أن الله حين خلقنا من ماء وتراب فإنه جمع ذرات هذا التراب من كل مكان في الوجود .. ليكوّن كائن لا يحصى .. كائن عصي عن الفهم والشرح والاستيعاب والاحتواء .. كائن بإمكان قلبه الصغير أن يحتمل كل شيء ويصل لأي شيء .. كائن جدير بأن يكون وريثا لله على أرضه .. أفكر في بيت الشعر مرة أخرى وأتساءل هل كتب ايلوار قبل أن يموت وقال أن القمم تلاقت أخيرا وأن بيته صار له سقف؟ ..ربما كان يعني بالقمم “الأفكار” .. وفي أمّتي لكل فرد سماؤه الخاصة ..ألهذا ليس من نصيب بلدي أن يغدو له سقفا مرة؟ .. ربما .. لن أفكر في بيت الشعر بهذه الصورة .. وسأتخيله أبسط مما يمكن أن يكون .. سأتجاهل المعاني و أنظر للمفردات… للبيت .. وللسماء .. للكلمة التي بدأت عندها .. والأخرى التي أمضي بإتجاهها ..!

قلت في ردي على تعليق للنص السابق : “للبيوت روح وجسد .. وللأماكن ملامح إنسانية تشبهنا ..وأن أبأس مكان سيبدو جميلا إن حاولنا اكتشاف مكامنه !” ..وأفكر الآن كيف بإمكان بيتي أن يشبهني كما يشبه العش شكل الطائر؟ ..أو  كما يشرح “جول ميشيليه” عن “هندسة الطيور” …. العصفور بالنسبة لميشيليه عامل بناء دون أدوات ..ليس له “يد السنجاب ولا أسنان القندس” … يكتب:”الواقع أن جسد الطائر هو أداته ..أعني بذلك صدره الذي يضغط به فيقوى مواده حتى تصبح مرنة ..متسقة ومتكيفة للخطة العامة” ..ويشير ميشيليه أن شكل العش يشبه قوقعة صُنعت بالجسد ومن أجل الجسد ..ومن خلال الدوران المستمر والضغط على الجدران من كل جانب ينجح الطائر في تكوين دائرة .. يضيف:”البيت هو شخص العصفور بذاته ..إنه شكله وجهده المباشر ..وأستطيع القول أنه معاناته..النتيجة تتحقق من الضغط المتكرر المتواصل ..لا توجد ورقة عشب واحدة لم يتم ضغطها مرات لا حصر لها بصدر الطائر وقلبه ..وربما أيضا بواسطة تنفسه الذي أصبح ثقيلا ..وربما بنبضات قلبه وذلك لجعل ورقة العشب تنحني وتثبت على انحنائها”.. يالله ! الصورة رائعة الوصف ..ليس بإمكاني أن أنساها ماحييت ..ليس بإمكاني أن أنسى هذا العش الذي ينبع من حلم الحماية .. الحماية المتكيفة لأجسادنا .. الحماية عبر أحلام البيت/ الثوب .. ماذا لو أقمنا بيوتنا على هذا الشكل الذي يحلم به ميشيليه..وأن يكون لكل منا بيته الشخصي .. عشا لجسده .. مفصلا حسب مقاسه .. كما في رواية “كولاس بروغنون” لـ “رومان رولان” حين يرفض البطل بعد تجارب كثيرة بيتا أوسع وأنسب ..يرفضه باعتباره ثوبا لا يناسبه.. يقول:”إما أن يتهدل عليّ أو يضيق حتى تتمزق أجزاءه المخيطة” ..!

نحن نعيش غريزة العصفور على نحو ساذج .. العش هو حزمة غنائية من أوراق الشجر ..حزمة منخرطة في سلام الدنيا ..نقطة في محيط السعادة الذي يحيط بالأشجار الكبيرة !

وهكذا نحن أيضا ! .. حين نختار لأنفسنا بيتا..فإننا نختاره في المنبع الذي نشعر فيه بثقتنا بالعالم ..هل كان ممكنا للعصفور أن يبني عشه لو لم يملك غريزة الثقة بالعالم ؟ ..إن بيتنا يصبح عشا في محيط سعادتنا .. نعيش به في سلام تام مع كل أحلام الأمان .. العش مثل بيت الحلم .. وبيت الحلم كالعش .. ونحن طيور صغيرة حين يشعر قلبها بالسعادة يصبح بإمكانها أن تحلق عاليا .. عاليا .. بإتجاه السماء !


يتبع …

.

وأتمنى تصير الناس نسمة بكيفها تسافر *

.

أنا بلياك – إلهام المدفعي

(باللهجة العراقية)

.


عدت من الجامعة إلى قريتي الصغيرة بعد الامتحان من طريق مختلف تماما أسير عليه للمرة الأولى .. أطول كثيرا لكنه مسلي جدا .. كنت ممتلئة بالضحك والدهشة والتأمل .. الطريق يمضي بمحاذاة ترعة طويلة جدا ورغم أنني فتاة ريفية من قمة شعري حتى كعب حذائي إلا أن كل ما وقع عليه بصري اليوم كان جديدا جدا على عيني لأن بلدتي تفتقده كثيرا .. ربما لأنها ليس بها ترعة وأنا لا أفهم كيف لقرية أن تكون بلا ترعة؟ ..كأنها إبرة بلا خيط ..أو مصباح بلا ضوء ..أو شجرة بلا ورق .. كأنها شيء ما عصي عن الاكتمال .. في الحقيقة كان هناك ترعة صغيرة تسير بطول القرية وتم ردمها من سنوات بعيدة كطريقة وقائية ضد الناموس والحشرات .. كنت حينها صغيرة جدا وكنت أذاكر درس أعمال محمد علي باشا الكبير التي مازلنا نفخر بها حتى الآن في مادة الدراسات الاجتماعية .. كان من أهمها شق الترع والقنوات ..وكنت  أرددها كثيرا لأحفظها وسط صخب آلات الردم تقارب منزلي ..أرددها وأنا أتساءل كيف يكون شق الترع إنجازا .. وردمها إنجازا أيضا؟ … لم أفهم هذا أبدا .. لكنني تجاوزته وكفى ..!

من الشباك أراقب فتيان يسبحون في الترعة كقراميط صغيرة  .. يرشقون بعضهم بالمياه ويكركرون .. أضحك عليهم وأنا أصنع من ورقة الامتحان مروحة صغيرة أهوّي بها على وجهي … أحسد انتعاشهم وأتمنى لو كنت فتى صديقهم يلهو معهم ويسبح غير عابئا على الإطلاق بأي عدوى فيروسية أو بلهاريسيا تخترق جلده وتراوده عن صحته .!

على حافة الترعة ينتشر نبات البوص وأشجار الموز .. ونساء وفتيات يغسلن الصحون والملابس .. أشفق عليهن وأراهم طيبين جدا حد أنهم قادرين على غسل الترعة بطيبتهن وقلوبهن البيضاء .. لا أعرفهم لكنني أتيقن من أنهم بمنأى تام عن كل الصراعات والأحقاد والضغائن والتلوث الذي يطول كل العالم ويبعد كليومترات قليلة فقط عن ترعتهم وأرواحهم .!

بطول الترعة وعلى مسافات متباينة يجلس رجال عجائز بيد كل واحد منهم سنارة طويلة يطوحها في الهواء قبل أن يلقيها في الماء وينتظر … أندهش منهم لأنني دائما ما فكرت أن الصيد يليق بالصغار فقط .. في صغري كنت أنطلق دائما مع محمود ابن خالي لنصنع السنارات ونذهب للصيد.. ورغم أن أمي كانت توبخني دائما على هذا إلا أنني كنت وقعت في غرام الصيد في تلك الفترة من حياتي .. أتذكر الآن لحظات سعادتي حين كنت أهرب من أمي وأرافق عمرو و وليد للأراضي الطينية .. نستخرج الدود من التربة .. نقطع الدودة الطويلة نصفين .. ونضعها في حلقة السنارة كطُعم للسمك … كأبو قردان سعيد يجوب الحقول .. كانت فرحتنا بالعثور على الدود لا توصف … أتذكر  آخر مرة رافقتهم في رحلات صيدنا الصغيرة هذه .. وكانت “آخر مرة” لأنني تشاجرت يومها مع وليد وتوعدني بالضرب إن رافقتهم في رحلة أخرى .. بعدها قررت الذهاب وحدي والقيام بكل شيء وحدي .. حملت سنارتي على كتفي كصياد همام وطبق بلاستيك صغير في يدي لأضع فيه السمك .. وجلست تحت شجرة طوال النهار أدعو بخشوع شديد من أجل غمزة .. وحين عدت البيت آخر اليوم بقرموط صغير وبضعة سمكات وطلبت من أمي أن تقليهم لي في الزيت .. ضربتني .. و توعدتني هي الأخرى بالضرب مرة ثانية إن كررت فعلتي .. كانت تخشى عليّ من الانزلاق في الماء والغرق .. لم تعرف أبدا أنها في هذه اللحظة تحديدا حولتني من “صيادة” لـ سمكة .. ومن أبو قردان لـ طُعم .. ومن فتاة تمتلك رئتين ..لأخرى تتنفس بخياشيم … أتذكر الآن حين قلت أول أمس أنني “في قدم الدنيا .. كرة “… وأشعر أن الجملة الصحيحة هي أنني “في بحر الدنيا .. سمكة ساذجة وحيدة .. تبتلع الطعم دائما !”

أعود للترعة السعيدة التي مررت بطولها اليوم .. ماذا كان بها أيضا؟ .. آه ..على الضفتين أعمدة إنارة .. وأسلاك الكهرباء تمر من فوق الترعة لتصل بين الأعمدة .. على الأسلاك تحط أسراب العصافير .. يتوزعون على الثلاثة أسلاك كحروف موسيقية .. شعرت لحظتها أنني أمام نوتة موسيقية هائلة .. وليس ثمة موسيقار يعزفها .. تمنيت لو امتلكت عصا اوركسترا وجناحين لأحلق في الهواء بمحاذاة الأسلاك وأطلق الموسيقى من أعشاشها .. تأوهت في قلبي وأنا أردد “الجمال من هنا يفيض .. ويغرقني وحدي !”

عدت وأنا أتنفس من خياشيمي ..وأنوي الكتابة عن كل هذا فور أن أصل إلى المنزل .. عن طاولة البلياردو المنصوبة على حافة الترعة أسفل سقف عشة وتدعو للضحك .. عن الحمار الذي يهز ذيله بسعادة وهو يتناول البرسيم.. عن الصبيين اللذين يقودان جرار زراعي ويمصان القصب .. عن القارب الصغير الذي يجلس به رجل وامرأة يلقيان بالشباك في منتصف الترعة دون أن يخطر ببالهما أن وضعها هذا رومانسي جدا وأن ثمة فتاة فقيرة .._ريفية أيضا _ تمر على الطريق مسرعة تحلم بقارب يشبه قاربهما و لحن يدور في قلبها ونهر صغير توافق على استبداله بترعة سعيدة !

.

جوه القلوب .. والذكريات .. ما يعيش غير .. طعم البيوت !

.


في قدم الدنيا …أنا كرة !


شبهت وفاء بـ نجمة وهي تسألني :”أين تذهب النجوم؟”.. فأتجنب الحديث عن احتراقاتها وانفجاراتها وتحولها لرماد نووي أو ثقوب سوداء وكل ما يفضي إلى مصائر تعيسة للنجوم وأرد :”بما أن الشمس نجم والشمس تجري لمستقر لها ..فربما تكون بقية النجوم أيضا تجري لمستقر لها .. وحتى تجد هذا المستقر وتطمئن .. فهي سارحة في فضاء الكون !” أتبعت ردي بـ :”يا الله .. حتى النجوم تبحث عن أمانها!” ..وأخذت أفكر بعدها أنني أيضا نجمة صغيرة سقطت على الأرض وأبحث عن مستقري ومأمني .. في الحقيقة كلنا نجوم .. وكلنا نبحث عن هذا الأمان الذي لن نهدأ حتى نستقر إليه ..

ولأن بيتي هو كوني الأول .. فبه مأمني الأول أيضا .. هذا الأمان الذي لا أشعر بوجوده في البيت إلا حين أغيب عنه فأفتقده .. تماما كما يقول غاستون باشلار :”بدون البيت يصبح الإنسان كائنا مفتتا..ــ إنه البيت ــ يحفظه عبر عواصف السماء وأهوال الأرض!”.. “ولاء” تسألني أيضا عن أكثر مكان أحبه وأشتاق إليه .. أجيب :”حين أبتعد عن بيتي ينتابني هذا الشوق !”

أكتب الآن وصديق يرسل لي تعليقا عن اشتياقه لبيته الريفي.. وأنا أفكر هل أحب بيتي بهذه الصورة لأنه ريفي؟ ..أنا بالفعل لا أحب بنايات المدن ..أشعر أنها مجرد امتداد رأسي ..أتذكر “ماكس بيكار” الآن وهو يقول عنها أنها “تشبه الأنابيب التي تشفط البشر في داخلها بواسطة تفريغ الهواء “! كيف بإمكان ساكن المدينة إذن أن يشعر بكونية حجرته وسط هذا الصخب من دوي السيارات والشاحنات؟.. أتخيل الفيلسوف الذي كان ينعي حظه العاثر لأنه من سكان المدينة وكان يسترجع هدوءه فقط من خلال استعارات البحر .. فالجميع يعلم أن المدينة الكبيرة بحر صاخب .. وهكذا كان يخلق صورة صادقة من هذه الصورة المبتذلة ..!

أعود لما كنت سأتحدث عنه …”غرفتي” ..أكثر مكان أحبه بالمنزل بأكمله .. والتعبير الصحيح:أكثر مكان أشعر فيه بالدفء في المنزل .. مختلفة عن أي غرفة أخرى .. أشعر بروحي تملأها .. بأشيائي المبعثرة في زواياها.. بقطع من قلبي ملقاة على الأرض ..لا أشعر أنني وصلت إلى المنزل إلا حين أدخلها ..أحب نوافذها الكبيرة ..تكاد تظن أن الغرفة بأكملها عبارة عن نوافذ .. جدار واحد فقط خالِ من أي فتحات .. بينما الثلاث المتبقيين .. واحد به الباب .. وثاني به شباك واسع جدا يتوسط الجدار ويحتل أكثر من ثلثه ..والجدار الثالث يماثله ..أحب الشباك المقابل للمساحات الخضراء .. للأرض الواسعة .. للبراح .. حين أقف أمامه ..أشعر أن العالم انتهى عند هذه النقطة .. حيث حدودي هي حدود المكان .. أسفل حافة الشباك كتبت بقلم رصاص وخط منمنم اسمي وكررته بطول الجدار حتى وصلت إلى الأرض .. حين تنظر من بعيد يخيل إليك أن قافلة نمل دخلت من الشباك لتغزو الغرفة .. وتبحث عن السكر .. عني ..هكذا أحب أن أفكر .. بطلاء أحمر مائل إلى النبيتي رسمت قلوب كثيرة على الجدران .. لا يراها الكل جميلة جدا .. وربما تفتقد الجمال كله .. لكنني لا أرى هذا .. أنا أحبها وأرى جمالها يفوق الوصف .. لا أحد يفهم أنني حين رسمتها كنت أحدث قلبي وأخبره أنه ليس وحيدا .. حين أجلس على السرير في منتصف الغرفة أشعر أنني محاطة بالكثير من القلوب التي تحبني جدا لأنني أنا السبب في وجودها .. وأنا أحبها جدا لأنها وفية إلى أقصى حد ولن تغادرني يوما .. أصدقائي المعلقين بدبابيس على جدار .. ماركو وإيزابيلا ونشأت ..عرفتكم عليهم مرة في الماضي وسأعيد التعريف مرة أخرى ..ماركو هو فتى يرتدي بنطلون قصير ..قميص بأكمام واسعة ..حذاء برقبة ..وقبعة كبيرة تميل على رأسه ..يمسك في يديه جيتارا ويعزف ..وأمامه إيزابيلا ترتدي فستان احدى الأميرات الأسبانيات ..وترقص ..فينبت العشب تحت قدميها … كنت قد رسمتهما فوق ورقتين منفصلتين وعلقتهما على الجدار يقابلان بعضهما من سنتين تقريبا…ومازال هو يعزف ..ومازالت هي ترقص ..دون أن يخذل أحدهما الآخر ..حتى اجل تأتي فيه الريح قوية من الشباك المقابل ..وتفنيهما معا ….أما نشأت ..فهو “هيكل عظمي”..علقته ليكون الاثبات الوحيد في غرفتي بأنني أنتمي لكلية الطب.. بالطبع لا يمتلك لحم وجلد وشفتين ..فيظهر صفي أسنانه دائما ويبدو أن الابتسام والضحك لا يفارقه ..وأنا أحبه لهذا الشيء..

غرفتي .. أكثر غرفة في المنزل وربما في العالم كله تدخلها الشمس .. ربما بسبب نوافذها الواسعة التي أجد معها الضوء في كل مكان كأن جدرانها من زجاج وكل ما بها شفاف .. في حضرة كل هذا النور أشعر أحيانا أنني  أضيء وأنني نجمة لن تحترق ولن تنفجر ولن تتحول إلى رماد نووي أو ثقب أسود..نجمة سعيدة وصلت أخيرا لمستقرها ومستودعها !

يتبع ،،،

من فترة طويلة وأنا مشغولة بالفلك .. تقريبا منذ أن كنت بالصف الثاني الإعدادي حين أخذت ألح على أبي طوال الأجازة أن يشتري لي تليسكوبا صغيرا أراقب به السماء والقمر والنجوم والشهب المارقة .. رفض في البداية لكنه تحت إصراري الشديد وافق أخيرا واشترى لي واحدا صغيرا وضعته فوق سطح المنزل ..ومكثت ليالِ طويلة أنظر فقط من خلاله إلى كل هذه النجوم التي كانت تحتل رأسي تماما وتضيء في كل خلايا جسدي .. لم أكن أراقب مساراتها أو أحاول التعرف على أسمائها ومجموعاتها .. كنت أنظر فقط … نظر لمجرد الدهشة والاستمتاع بهذا العالم العالي جدا الذي لن أستطيع أن أقاربه مهما حاولت .. وكل ما يمكنني فعله تجاهه هو النظر والدهشة … وككل الصغار _والكبار أيضا_ الذين يلهثون كثيرا وراء كل الأشياء البعيدة عنهم ويزهدون فيها فور أن يحصلون عليها ..فعلت هذا مع تليسكوبي الصغير وتركته لشيماء أختي التي تكبرني بعام واحد لتطبق عليه بصورة عملية درسها في مادة العلوم عن أنواع العدسات المقعرة والمحدبة والمستوية وسقوط الضوء عليها وانكساراته وانعكساته و تفتت التليسكوب لأجزاء صغيرة جدااا كضحية لهذا الدرس .. نسيت بعده ولعي بالسماء والنجوم لفترة طويلة.. رغم  أن هذه النجوم بعيدة جدا .. وأنا لم أحصل عليها بعد لأزهد فيها .. لكن هذا ما حدث..

ورغم أن هذا الولع عاد مرة أخرى وبصورة أقوى وأكثر عمقا إلا أنني قررت التخلي عنه الآن بإرادتي حين اكتشفت أنني لازلت الطفلة الأنانية التي تحلم بكل ما هو بعيد عنها متجاهلة كل قريب ..وجدتني أتجاهل كوني وأقفز فوقه إلى أكوان بعيدة أخرى بأمل أن أعثر على دعاء التي أريدها هناك .. أتجاهل واقعي وأحلم بأشياء كثيرة تحتاج عمر آخر لتتحقق وأختار أن أعيش بخيالي في هذا العمر .. أحاول لمس قلبي من خلال لمس العالم بأكمله دون أن أعي أن يدي التي أضعها على صدري الآن يخفق من ورائها قلبي .. أعيش كنجم انفلت من مداره وانطلق تائها في سماوات الكون يبحث عن مجرة أفضل ومدار أكثر اتساعا وفخامة دون أن يدرك أنه سيفقد ذاته في هذه الرحلة ..وسيبتلعه أول ثقب أسود يصادفه ..

لهذا قررت أن أكون أولا ثم تكون الدنيا حولي .. أن ألامس قلبي أولا قبل أن أفكر في ملامسة العالم .. أن أعيش واقعي قبل أحلامي ..وعمري قبل عمر ربما لن يأتي ..أن أحيا في ركني القصي من العالم ..في كوني الأول .. في كوني الحقيقي بكل معني الكلمة قبل كل الأكوان التي لا تطولها يدي ولا يسعني أمامها سوى النظر..أن أكتشف حجرتي قبل الصالة قبل العلية قبل القبو قبل الشرفة قبل الحديقة قبل القرية قبل المدينة قبل العالم قبل الأرض قبل السماء والفلك ..!

يتبع،،،

من بعد آذان الفجر والقرآن لا يتوقف في مئذنة الجامع حتى تأتِ تكبيرات العيد ..الصوت يميل على نافذتهما الصغيرة .. هي نصف مستيقظة لأنها لم تتعود طوال عمرها كله أن تذهب في نوم عميق ليلة العيد .. وهو نائم .. وعلى وجهه سلام .. تعرف أنه حين يكون وديعا هكذا في نومه فإنه يحلم بها .. وإن كان لا يتذكر الأحلام ليحكيها لها … فهي متيقنة من هذا .. تتأمل ملامحه طويلا .. بهدوء تام وفي قلبها حمد كثير لله لأنه منحها إياه .. تريد أن توقظه ليبدأ عيدها .. لتهمس له “أحبك” .. ليقبلها على وجنتيها كما اعتاد ابيها أن يفعل صباح كل عيد .. تفكر أنها لو مالت على أذنيه وهمست “أحبك” فسيسمعها في أحلامه .. وستكون أجمل بكثير لأنها ستتلاشى سريعا .. وسيستيقظ على الفور ليبحث عنها .. تفعل هذا .. ويحدث ما توقعته تماما .. يفتح عينيه ببطء .. يراها تنظر إليه بابتسامه .. يبتسم بدوره وهو ينطق :”كل سنة وانتي طيبة يا حبيبتي” ..يغمض عينيه مرة أخرى وهو يدنيها من صدره .. يضمها إليه .. يشعر بالسلام وهي في حضنه .. ينسى العالم والناس ويصبح فارغا من كل ما سواها ..ممتلئا بها تماما .. هي تعرف أنه يحلم بها من احساسه هذا .. من ملامحة الآمنه في العناق والنوم .. تبتعد عن صدره برفق ..وتقول وهي تقطب حاجبيها بإصطناع :”إيه؟ .. مش هنقوم بقا .. العيد هيخلص ” .. يدنيها منه مرة أخرى وهو يقول بكسل:”ممممم بقا .. خلينا شوية” ..تهز رأسها بالنفي وهي تقول “لأ .. يلا .. هتقوم .. هتقوم” تنهض واقفة وتجذبه من يده .. وهو يتسمر في مكانه كما يفعل دائما ليثبت لها ضعفها ووهنها أمامه … يغمض عينيه على نظرة نصر وهو يقول:”لو قدرتي .. قوميني” .. تشده بكل قوتها .. وهو لا يتزحزح ملليمتر واحد عن مكانه .. يفتح عين واحدة بحاجب مرفوع وينظر إليها .. يشفق عليها ويقوم معها ليمنحها احساس نصر صغير .. كأنها طفلته التي ينهزم أمامها دائما في اللعب ليسعدها .. تدفعه من ظهره حتى باب الحمام .. وقبل أن يدخل يلتفت إليها ويقبلها على وجنتيها .. يعرف أنها تنتظر هذه القبلة بالذات ..كادت تظن أنه نسي .. تحدق في وجهه للحظات ثم تعانقه بقوة قبل أن تندفع إلى المطبخ دون أن تقول شيئا .. تضع الشاي على النار .. وتعبىء طبق متوسط بكعك وبسكويت العيد .. تجهز الفطور وتضعه على الطاولة ينتظرهما معا .. يصلي بها الصبح .. يدعو الله أن يتقبل منهما ..أما هي فتدعوه أن يحفظه لها .. يشكرا الله معا ويعودا إلى الطاولة يتناولا فطورهما .. يطعمها .. وتطعمه .. تحلم بـ”يحيى ومريم” حولهما في أعوام قادمة .. وهو يشاكسها:”بس مش هعرف أأكلك كده يا أم يحيى قدام يحيي” .. تحبه كثيرا حين يقول لها”أم يحيى” ..تتذكر فطيرة الشيكولاتة التي أعدتها له يوما .. كان اسمها في كتاب الطبخ “الفطيرة الاسفنجية” .. ورغم أنها التزمت جدا بالمقادير والطريقة .. إلا أن الفطيرة خرجت مختلفة تماما .. ولم تعد تستطع على الإطلاق أن تطلق عليها فطيرة اسفنجية .. وحين تذوقها وأعجبته احتارت أي اسم تخبره عن هذا الذي يأكله ويعجبه .. فاقترح هو أن يسميها “أم يحيى” كـ “أم علي” هكذا .. وتكون الفطيرة الخاصة بهما .. يتفقا أن يصنعاها معا غدا … تشهق فجأة :”صلاة العيد” .. ينظر لساعة الحائط ..يهتف:”يانهار أبيض” .. تهب واقفة .. تخرج ثيابه المكوية من الدولاب .. تساعده في غلق الأزرار .. تلمع له حذائه سريعا .. تناوله هاتفه من الشاحن .. ومحفظته من فوق التسريحة .. تنثر العطر على قميصه وتخبره أنها ستبدل ملابسها وتجهز حتى يعود ..

وكما فعل العيد الفائت يبعث لها بمسج وهو جالس يستمع إلى الخطبة يخبرها أنه اشتاقها .. تضحك من رسالته الغير متوقعة في هذا الوقت للمرة الثانية !

يرجع بعد ساعة ونصف ويجدها بانتظاره .. يغادرا معا ويذهبا أولا إلى بيته عند والده ووالدته .. يمكثا هناك حتى نصف النهار .. ويقضيا النصف الآخر عند والدها ووالدتها … يلتقيا بأقاربه وأقاربها في منزل عائلته ومنزل عائلتها .. يتذوقا طعم مختلف للعيد وهما معا .. يمتلئا بأحاديث الأهل وضحكاتهم وحكاياهم .. يلعبا مع الصغار كأنهما لم يكبرا بعد .. ويستغلهما الأطفال ويأخذا منهما ثمن البمب والصواريخ حتى يوفرا عيديتهم لألعاب أخرى .. يتستران على الطفل الذي وضع الصاروخ أسفل كرسي الرجل الذي يستفزهما دائما .. يعرفا كيف يمكن أن يشبه العيد طعم الحلوى والشيكولاتة بالبندق وجوز الهند والفول السوداني اللي مش هيتبهدل تاني .. يمتلىء الجو بفقاعات صابونية مدهشة ينفثها الأطفال ويقفزون ورائها .. ويأتي إليها طفل صغير يبكي لأن زجاجته التي اشتراها للتو انسكبت منه قبل أن يستمتع بها .. فتأخذه وتملأها له بالماء .. وبعض قطرات الشامبو ثم ترجها .. تميل على أذن الطفل وتوشوشه :”ما سأفعله الآن سر صغير أخبرني به صانع زجاجات الصابون هذه.. وهو الذي يعطي الألوان الزاهية للفقاعات .. ” وتضع قطرتين صغيرتين من الكحول ثم ترج الزجاجة مرة أخرى .. يكتم الطفل السر ويخرج سعيدا للغاية وهو يشعر أنه ملك العيد لأنه عرف أسرار الفقاعات الصابونية أخيرا .. !

يتابعها من بعيد وهي تفعل كل هذا .. يشعر أنه يحبها جدا هذه اللحظة ويريد أن يخطفها بعيدا عن كل هذا الزحام .. هو يجلس مع رجال العائلة .. وهي تقف وسط أخوتها وأمها وقريباتها .. نظرته معلقة عليها .. ونظرتها معلقة عليه ..حين يمر عابر بينهما يميل ليراها .. وهي تميل لتراه .. يغمز إليها فتضحك لهذه الغمزة التي تعرفها وتفهمه على الفور كما تفعل دوما .. تقول لأمها أن الوقت تأخر ويجب أن يذهبها .. ويستأذن هو من أبيها ويسلم على بقية الرجال .. يغادرا معا ويدها في ذراعه وهو يقول :”قوليلي يا مراتي يا حبيبتي نفسك أفسحك فين؟” .. تخبره أن عيدها هو وجوده بجوارها.. وهذا أقصى سعادتها .. يأخذها ويتعشيا معا .. يذهبا إلى السينيما .. يختارا الفيلم الكوميدي كالعادة .. يمتلىء قلبيهما بالضحك .. تفيض سعادتهما على كل شيء .. يخبرها أنه يحبها .. تخبره أنها تعشقه .. يرجعا بيتهما الصغير .. يمران على الطاولة الصغيرة .. يحلمان بـ يحيى ومريم حولهما في أعياد قادمة !

ترقص؟ _ أرقص _ غصب عني _ غصب عني أرقص !

شباك تذاكر الزوار

  • 139٬964 hits

محمود درويش:

إذا انحنيت .. انحنى تل وضاعت سماء ولا تعود جديرا بقبلة أو دعـــاء

أحن إلى خبز أمي ..وقهوة أمي ..ولمسة أمي

وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي ..

For connection

doaa.sh3ban@yahoo.com

الراقصين حاليا !

ألحان شاردة !

free counters